مشاركة المجلس فى فعاليات برنامج مراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدنى التابع لجامعة بنسلفانيا – بإشراف البروفيسور Games McGann 13 مايو و30 يونيو 2020
يونيو 30, 2020دبلوماسية الأوبئة في مواجهة جائحة كورونا
يوليو 5, 2020نظرة تحليلية مستقبلية في ضوء ظاهرة انتشار فيروس كورونا([1])
تعمل مراكز البحوث الأمريكية منذ أكثر من 15 عاماً مضت كما نشرت آنذاك مجلة الفورين أفيرز الأمريكية أن الولايات المتحدة تعمل من أجل البقاء على القمة كقوة عظمى وحيدة والحيلولة دون وصول الصين للقمة بل وأيضا دون وصول أي من حلفاء أمريكا لهذا الموقع وقد كتب باحثون أمريكيون وخاصة هنري كيسنجر أن على أمريكا ألاَ تترك لأية دولة ولو صديقة أن تصل للقمة لتنافسها، ولذلك فعلى أمريكا أن تضع خطة لتدمير أى دولة صاعده بقوة مثل الصين المنافس الخطير خاصة إقتصادياً وليس عسكرياً أو إستراتيجياً، وكذلك الحال بالنسبة للإتحاد الأوروبي. وهذا ربما يفسر السلوك السياسي للولايات المتحدة بتدمير العالم العربي البائس أكثر مما هو فى حالته الراهنة بالإستيلاء على عوائد بتروله وبيع السلاح المتقدم له لكى يدخل فى صراع إقليمي داخلى له أربعة أطراف كبرى وهم العرب و الفرس والمغول الجدد (تركيا) وبذلك تترك إسرائيل كقوة مسيطرة في المنطقه المسماة الشرق الأوسط. ومن الملاحظ أن التقارب الإسرائيلي الإثيوبي أصبح أحد معالم سياسة الدولتين. فقد هاجر الفلاشا (اليهود الإثيوبيين) لإسرائيل ورغم ذلك ما تزال إسرائيل تعيش عنصرية عرقية فاليهود العرب واليهود الفلاشا يعتبرون من طبقة أدنى، أما السلطة الرئيسة فهي لليهود الغربيين في المقام الأول. وهذا ما دفع إثيوبيا المعاصرة لرفض الحقوق التاريخية لمصر في مياه نهر النيل، ولا تراعي حقوق السودان، ولا تحترم قواعد القانون الدولي، وقد لعب البروفسور أرنون الإسرائيلي بإصدار كتابه المعنوَن “أنهار من نار: الصراع في الشرق الأوسط” معطياً أولوية في دراسته وكتابه لنهر النيل وقيامه بما أسماه العمل كمستشار للمياه لدول حوض النيل وفي مقدمتها أثيوبيا حيث نشر سمومه ضد مصر بتأليب الدول الإفريقية في حوض نهر النيل ضد مصر بوجهٍ خاص وللأسف نسي قادة إثيوبيا في السنوات الأخيرة دور ومكانة مصر الإفريقية بل ودعمها لإثيوبيا عبر السنين الطويلة الماضية، وأصبح خروج القادة الإثيوبيين على مبادئ الإخوة الإفريقية وعلى مبادئ القانون الدولي والقانون والإتفاقيات الدولية الخاصة بالأنهار هو قانون السياسة الإثيوبية الحديثة.
وقد أدى إطلاعي على التاريخ البريطاني والتاريخ الصيني والمصري وعلي تاريخ الحضارات العريقة في العالم وعلى تاريخ القوي الصاعدة والقوى التي كانت صاعدة عبر السنين للوصول إلى ثلاث نتائج:
الأولى : ما كانت عليه الصين كقوة عظمى في القرون قبل الثامن عشر واكتشفت بريطانيا العظمى آنذاك بأن الصين تتاجر مع بريطانيا وأن الميزان التجاري لمصلحة الصين وهذا يتنافى مع مصالح بريطانيا آنذاك فتوصلت إلى وصفة سحرية لتدمير الصين من الداخل بنشر تعاطي الأفيون فتحول الشعب الصيني في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى مجموعة من متعاطى الأفيون والكسالى و محدودى الإنتاج ثم اكتشف قادة الصين الخدعة البريطانية فأعلنوا ما عرف بحرب الأفيون فى أربعينات القرن التاسع عشر و هكذا نجحت الصين بفضل قيادتها الذكية آنذاك فى استعادة قوتها و لكن أمريكا و كثير من الدول الغربية لم تتركها فى حالها بل تآمر الجميع للإستيلاء على بعض أقاليم الصين وقاموا بتحريض اليابان أيضاً لدخول المعركة والاستيلاء على مناطق صينية وزادت شهية اليابان للتوسع ف كوريا و الصين و جنوب شرق آسيا و تحالفت مع دول المحور فى الحرب العالمية الثانية وهو ما أغراها لكي تضرب ميناء بيرل هاربر فى أمريكا الصاعدة التى كانت قاب قوسين أو أدنى من الإنتصار فى الحرب العالمية الثانية و لذلك قررت الولايات المتحدة إعطاء درس عملي لليابان حليف المحور النازى و الفاشى المناوئ لأمريكا الصاعدة والتى استولت على معلومات عن القنبلة الذرية من أعدائها الألمان، فضلاً عن بعض الخبراء والعلماء الألمان واستخدمت القوة الذرية لأول مرة فى التاريخ بإلقاء قنبلتين على هيروشيما و نجازاكي. ولكن أقدار السياسة الدولية جعلت الثورة الشيوعية تنتصر فى الصين كما أدى تدخل الصين فى حرب كوريا 1950-1953 إلى تقسيم شبه الجزيرة الكورية بين دولتين إحداهما شيوعية و الأخرى رأسمالية، وعادت أمريكا إلى السياسة التقليدية بفرض حصار على الصين الشيوعية كما فرضت على روسيا الشيوعية الحصار وكذلك فرضت حصاراً على مصر التي رفضت أن تسير في الفلك الأمريكي ومن ثم رفضت أمريكا تمويل السد العالي ورفضت تزويد مصر بالسلاح للدفاع عن نفسها في مواجهة عدوان إسرائيل ربيبة أمريكا كما رفضت بعض الدول الغربية شراء القطن المصري فاشترته الصين، وقال ماوتسي تونج آنذاك “أنه إذا زاد كل صيني سنتيمتر في ثوبه فسوف تستهلك الصين كل القطن المصري”، وأصرت الولايات المتحدة على تأييد إسرائيل ضد الفلسطينيين بتقسيم أراضي فلسطين مستخدمة نفوذها في الأمم المتحدة وتشجيع إسرائيل على التوسع وتدميرها الكثير من مدن فلسطين في ضوء ما سمي وعد بلفور عام 1917 الذي قال عنه جمال عبد الناصر “أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق” واستطاع الاثنان بالمكر والخديعة أن يسلبا من صاحب الحق حقه.
وقد قامت الولايات المتحدة بالضغط على الدول العربية الصغيرة الناشئة لإيواء الفلسطينيين حتى يتم تفصيل وتنفيذ قرارات الامم المتحدة العديدة، بما يناسب تنفيذ السياسة والطموحات الإسرائيلية. كما ضغطت أمريكا على مختلف الدول في الأمم المتحدة للموافقة على قرار التقسيم عام 1947 وهو ما رفضه العرب والفلسطينيون و هكذا استمر الموقفان العربي و الفلسطيني يعيشان في عالم متغير ولا يدركان الأبعاد الحقيقية للسياسة الدولية، ولا يفكران في التغيرات المستقبلية المتوقعة في السياسة والعلاقات الدولية وهي التي تقوم على القوة وتناسي وتجاهل الحق القانوني والتاريخي للفلسطينيين في أراضيهم. فأمريكا وأوروبا عاشوا تحت ما سمي بـ”مذابح اليهود” في ظل عهد هتلر ومعاداة السامية. أما دول العالم الثالث بما في ذلك من كانوا أصدقاء العرب مثل الصين والهند فقد اعترفوا بإسرائيل تحت الضغوط الصهيونية والأمريكية والأوروبية عام 1950 وإن لم يتبادل معها أي من الصين أو الهند بوجهٍ خاص التمثيل الدبلوماسي وكذلك بعض الدول الإسلامية والعربية لم تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ماعدا إيران وتركيا. وهذا وفي مرحلة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وحرصاً من الصين والهند على التواجد في ذلك المؤتمر إرضاءً لإسرائيل التي اشترطت عليهما تبادل التمثيل الدبلوماسي قبل الاشتراك في مؤتمر مدريد. وبعد ذلك اتسمت سياسة كل من الصين والهند بالتعاطف مع إسرائيل والتعامل بحذر مع القضايا الفلسطينية أو العربية عامة ولم تضغط أي منها على إسرائيل لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم وفقاً للقرارات الدولية كما لم تسعى أي منهما لإقناع الفصائل الفلسطينية بضرورة العمل الوطني الموحد والعقلاني لتحرير أرضهم بمنطق بعيد عن الأعمال العنيفة والتي اتسمت في المنطق الدولي بأنها أعمال ارهابية مثل خطف الطائرات وتفجير نادي في إحدى الدول الأوروبية، وآخر في إسرائيل مما أثار العمل ضد الفلسطينيين وأصبح أكثر ميلاً لاتهامهم بالأعمال الارهابية التي يرفضها المجتمع الدولي أو تؤدي لمزيد من تدمير للأراضي والقرى الفلسطينية وزيادة المهاجرين اليهود ونشر المستوطنات على حساب شعب فلسطين .
ولا شك أن كثير من القوى الفلسطينية إن لم يكن جميعها لم يكونوا عند مستوى التحدي الإسرائيلي أو الضغوط الأمريكية على الدول الأخرى وقد أصبح الحق الفلسطيني ضائعاً ونسي الجميع التاريخ والوجود الفلسطيني منذ قرون عديدة، وأن الذي طرد اليهود من أرض كنعان كانت الإمبراطورية الرومانية ثم جاءت الإمبراطورية البريطانية وأعطت وعد بلفور وساعدت الواقع المفروض قبل أن تضيع فلسطين بأسرها و يتشرد باقي المواطنين الفلسطينيين كما لم تبذل الصين أو الهند دوراً فعَالاً لإقناع ي والإسرائيليين أن يتعيشوا معاً في سلام وليس سيطرة إسرائيل المدعومة من أمريكا بقوة وأيضا المدعومة من الغرب ومن دول متعددة أخرى. بوجهٍ عام ودول من التي اضطهدت اليهود في أوروبا بل قدمت لإسرائيل مساعدات ضخمة عينية مثل ألمانيا الغربية آنذاك أو تكنولوجية وأسلحة مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ولسان حالهم يقول فليذهب الفلسطينيون للجحيم.
ولا ينبغي أن ننسى أو نتجاهل أن أوروبا هي التي اضطهدت اليهود بينما العرب في المنطقة العربية عاشوا في سلام مع اليهود الذين كان لهم دور بارز في بناء الحضارة الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي وفي عصر الوجود العربي الإسلامي في الأندلس حتى استعادها الأسبان الذين طردوا اليهود كما طردوا لعرب والمسلمين آنذاك. ونذكر بأن الإسلام كعقيدة وكدين يؤمن بجميع الأديان الأخرى وبالرسل ويحترمهم. وهذا هو الفارق الرئيسي بين نظرة الإسلام للأديان الأخرى وبين نظرة تلك الاديان المسماة بالسماوية أو الإبراهيمية للإسلام. ولعب غباء وجهل بعض المسلمين المتطرفين دوراً سلبياً ضد الفلسطينيين وقضيتهم وهو ما استغلته إسرائيل والحركة الصهيونية عالمياً.
وجاءت خيرا الطامة الكبري بصفقة القرن التي ابتدعها الرئيس الامريكي دونالد ترامب ودعم اسرائيل في الاستيلاء علي لقدس والاعتراف بها كعاصمة ابدية لسرائيل كما إدعت . أخيرا ما سميت” بصفقة القرن ” وهي صفقة مشؤومة قدمها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى كان موقفه أكثر ميلاً نحو الإسرائيليين وأكثر معاداةً للعرب والمسلمين كما تجلي ذلك في تصريحاته العلنية خلال أوائل شهر يونيو 2020 ضمن إطار معاداته للصين وسعي للاستيلاء على أموالهم لبيع السلاح لهم والإدعاء بحمايتهم من إيران وهو متعاون مع إيران بأساليب سرية متعددة وعبر الأجهزة الاستخباراتية . وللأسف عاش العرب فى غيبوبة بين إحتماء بعضهم بأمريكا ضد إيران وبعضهم الآخر ضد تركيا، وهما دولتان طامعتان فى السيطرة على العرب و يضاف لها إسرائيل التي تستولي كل يوم علي مزيد من الأراضي العربية . كما تدعي أن أرض إسرائيل من النيل للفرات، وأخيراً أثيوبيا المدعومة من تلك الدول والتى استيقظت فى السنوات الأخيرة للسيطرة على نهر النيل بغض النظر عن الأبعاد التاريخية والقانونية الخاصة بقانون الأنهار وحقوق دول المصب وفى مقدمتها مصر والسودان التى إلى حد كبير تعانى بعد أن تم إعطاؤها وعوداً من حكومات أثيوبيا السابقة و بذلك أصبحت مصر وحيدة عملياً فى مواجهة كثير من دول القارة الأفريقية لأن مصر أخذت عدة سنوات شبه نائمة أو مخدرة تجاه مشكلة إثيوبيا وسد النهضة مما أثر بدرجة كبيرة على مصر وشعبها. بينما تحركت إسرائيل وخبراؤها يروجون الدعاية ضد مصر فى دول حوض نهر النيل وخاصة إثيوبيا التي أهملت شعبها لقرون طويلة ثم استيقظت اليوم في القرن الحادي والعشرين. وهذا السلوك الدولي والإقليمي في الشرق الأوسط أو إفريقيا يقدم نموذجاً سيئاً للدول المسمًاة شقيقة في تعاملها مع مصر التي وقفت عبر السنين تدافع عن العرب وعن إفريقيا ضد القوى الإستعمارية حتى تحررت تلك الدول. أما الصين والهند وهما دولتان صديقتان لمصر فقد تجاهلتا الصراع المفتعل من إثيوبيا ضد مصر ولم تبذلا أي جهد باعتبارهما دولتان احداهما عضو دائم في مجلس الأمن، والثانية شاركت مصر في بلورة سياسة عدم الانحياز. وتلك الدولتان علي علاقة وثيقة بإثيوبيا وإسرائيل وزاد الطين بلة بعض الدول العربية الشقيقة لمصر التي قدمت مساعدات مالية لإثيوبيا بدون أن تنصحا الدولة الأفريقية بمراعاة حقوق مصر التاريخية في نهر النيل الذي لم تخترعه أثيوبيا ولا أية دولة بل هو من فعل الطبيعة عبر التاريخ. وأضيف بأن الأدهى من الناحية الفكرية والفلسفية أن طائفة معينة من الشيعة في البحرين أطلقت علي نفسها المجددين وروجت منذ سنوات ونشرت عدة كتب ومؤلفات معادية لمصر لكي تنفي عن مصر وجودها وتنفي وجود نهر النيل ومصر الفرعونية أنها كانت موجودة في أراضها الحالية بإفريقيا وتدعي أن ما ذكر في القرآن الكريم يتصل بشبه الجزيرة العربية. وقد تجادلت مع بعض هؤلاء بشدة أثناء وجودي للعمل في البحرين وطلبت منهم بدبلوماسية إعادة النظر فيما يقولون ولكنهم كانوا أشد تعصبًا وقدموا لي عدداً من المؤلفات التي تثبت دعواهم ولم آخذها على محمل الجد بل رفضت أطروحاتهم وقلت لهم “أنا لا أضيع وقتي في افكار غير عقلانية ولا علمية” ، وفي تقديري أنهم غير عقلاء بل موتورين، وأوضحت لهم “أنني لا أضيع وقتي في نقاش حول قضايا مسجلة لدى المؤرخين من مختلف دول العالم”. وأعتقد أنهم عملاء لإيران وربما لإسرائيل وغيرها وكان هؤلاء يكتبون مقالات وينشرونها في جريدة الوسط المعبرة عن الاتجاه اليساري والشيعي في البحرين وأحياناً في صحف أخرى أقل مصداقية مثل البلاد وغيرها وقد توقفت الآن معظم تلك الصحف كما خمد نشاطهم العلني فلم أقابل منهم أحداً ولم تنشر الصحف الرئيسية في البحرين أي من أفكارهم في السنوات الأخيرة.
.الثانية: أن الصين دولة ذات حضارة عريقة والرئيس الصيني شي جين بينج أكد فور توليه السلطة أنه يسعى لبناء حضارة الصين العظيمة وعدل الدستور الصيني و نشر العديد من كتاباته و أقواله وهذا جعل أمريكا تعود لفرض نوع من الحصار أو الضغوط على وفرض الضرائب على السلع الصينية، كما سعت لتجنيد دول في المحيط الآسيوي ضد الصين للإعتراض على وجودها في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن خلافات اليابان مع الصين حول بحر الصين الشرقي ثم طرحت أمريكا ما أسمته سرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية وبراءات الإختراع واتهمت الصين بسرقة المعلومات من الإنترنت وغيرها، إما عن طريق الخبراء الصينيين والطلاب الذين يدرسون بأمريكا أو يزورونها بالإضافة لطرح قضية ضد شركة الاتصالات الصينية الكبرى هواوي Huawei واتهمت الصين بإغراق السوق الأمريكي بالسلع الصينية الرخيصة مما أثر على العمالة والمصانع الأمريكية ولذلك فرضت أمريكا رسوماً كبيرة على السلع الصينية التي ترسل إلى الولايات المتحدة. وأخيراً وليس آخراً الصراع والإتهامات حول مخترع فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 وإتهام الصين بأنها مخترع هذا الفيروس القاتل وتقوم بنشره في العالم وخاصة في أمريكا وأوروبا؛ ونفس الإتهام بالنسبة لإكتشاف عقار لعلاج الكورونا وإتهام الصين بسرقة المخترعات الأمريكية وأنها لا تعطي المعلومات الضرورية والكافية حول الفيروس أو العلاج منه لمنظمة الصحة الدولية، التي أبدت تعاطفاً وميلاً نحو الصين. وهدد الرئيس ترامب بانسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية ما لم تقم المنظمة بإصلاح مؤسساتها كما قرر الرئيس الأمريكي رفض المشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية السنوية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مواجهة فيروس الكورونا المستجد المسمى كوفيد-19 عبر مؤتمر الفيديو يوم 18 مايو 2020 وكان الاجتماع يعتبر الفرصة الوحيدة لفض الاشتباك وحل الخلافات بين أمريكا والصين. وأمهل الرئيس الأمريكي ترامب المنظمة شهراً واحداً لإجراء إصلاحات قبل تنفيذ تهديده بقطع التمويل بشكل دائم عنها وإنسحاب الولايات المتحدة من عضويتها. وفي رسالة من أربع صفحات وجه ترامب الإتهامات للمنظمة مبرزاً ما أسماه الخطوات الخاطئة من المنظمة في الإستجابة للوباء وأن هذا كلف العالم غالياً ويجب على المنظمة أن تثبت استقلالها عن الصين. ومن جانبها ردت الصين على ترامب متهمةً إياه بتشويه صورتها والتهرب من مسؤوليات بلاده تجاه منظمة الصحة العالمية.
ومن ناحية أخرى، أدانت الصين الإتهامات الأمريكية لها حول منشأ الفيروس وتصفها بالكاذبة بينما أبرزت أمريكا معاناتها من الفيروس موضحةً أن عدد وفيات العام في أمريكا بلغت 173 ألفاً وأن الفيروس أسوأ من أي هجوم تعرضت له أمريكا منذ حادث بيرل هاربر أو مثل هجمات 11 سبتمبر 2001 التي أدت لمقتل 3000 شخصاً، وأضافت أنه كان يمكن وقف الفيروس من المصدر أي من الصين ( ش.أ.8 / 5 / 2020 ص 5 ) لتأكيد إتهاماتها للصين. ومن الملفت للنظر مؤخراً التعاون الصيني الإسرائيلي، رغم حادثة قتل السفير الصيني في إسرائيل في منزله، والذي نعتقد بأنه وإن ترك أثراً في علاقات الدولتين فسوف يكون محدوداً، علاقات الدولتين قوية وفي مجالات عديدة.
ومن ناحية ثانية، ذكر محافظ البنك المركزي الصيني أنه سيعزز الإجراءات الإستثنائية لدعم الإقتصاد. كما أن السياسة النقدية ستكون أكثر مرونة من أجل التصدي للمخاطر المالية وانكماش اقتصاد الصين إلى 6.8% فى الربع الأول من هذا العام وذلك للمرة الأولى منذ عام 1992 إذ شلً فيروس كورونا الإنتاج والإنفاق. كما سجلت الصين عجزاً في الحساب الجاري خلال الربع الأول من عام (2020) بسبب تصاعد الضغوط نتيجة تفشي وباء كورونا. ومن ناحية ثالثة رفعت الصين مستوى الخطر الوبائي فى أحد أحياء مدينة “ووهان” بعد إكتشاف إصابة بكوفيد -19 هي الأولى منذ أكثر من شهر وتحسن النواحي الصحية في ووهان التي كانت البؤرة الأولى للوباء. ولكن منذ منتصف يونو الجاري 2020 عاد فيروس كورونا للصين بقوة وخاصة في مدينة بكين العاصمة وهذا يوحي بأن الصراع بين الولايات المتحدة والصين قد يطول ويزداد، إذا أخذنا في الحسبان تصريحات الرئيس الأمريكي وضغوطه على أهم دولتين لهما علاقات مع الصين وهما أستراليا والثانية الهند والتي كان متوقعاً أن تكون الدولة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الصين وتتراجع الولايات المتحدة في اقتصادها للمكانة الثالثة. وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة وتمارس ضغوطها المستمرة ومن هنا يمكن تفسير أحد أسباب اشتعال الحدود بين الهند والصين وهو تكرار لخلاف وصراع بين الدولتين منذ عام 1962 نتيجة للخلاف على الحدود في جبال الهمالايا. وليس غريبًا، أن تكتب بعض الصحف الأمريكية البريطانية منذ أيام قلائل بأن الهند انحازت للولايات المتحدة في الصراع أو التنافس الأمريكي الصيني. ولم يصدر أي تعليق هندي على ما كتبته الصحف الغربية عن الصراع على الحدود بين الدولتين وهو صراع متكرر النشوب ولكنه محدود التأثير أسوة بما حدث في السابق. ويلاحظ أن الهند كانت من أقل الدول التي ظهر فيها فيروس كورونا منذ البداية ولكنه زاد انتشاره منذ أوائل يونيو 2020 والدلالة على ذلك مفهومة، فالموقف الهندي وثيق الصلة بالصين اقتصادياً ولكنه بعيداً عنها سياسياً بل هو أقرب للموقف الأمريكي في السنوات الأخيرة بعد انتهاء مرحلة سياسة عدم الانحياز التي تزعمتها الهند ومصر ويوغوسلافيا وانتهت تلك السياسة كما ضعف دور مصر والهند في تلك السياسة التي انهارت مع انهيار يوغوسلافيا الاتحادية السابقة وكوبا وتغير المواقف الإفريقية. ومن هنا نقول أن الدعوة لعدم انحياز جديد دعوة غير مدروسة ولا أعتقد أنها ستكون ذات فاعلية ولن تستقطب سوى بعض المفكرين والمثقفين وليس الساسة في الدول الكبرى والمهمة، بما في ذلك ساسة دول عدم الانحياز التي أقامت منذ سنوات ما سمي بمجموعة الـ18 لعدم الانحياز ولكنها مجموعة يمكن القول تجاوزا بأنه محدودة الفعالية والنشاط ما عدا ربما بعض الاجتماعات الشكلية في إطار الأمم المتحدة لأن الأمر تغير عمًا كان عليه في عدم الانحياز والشخصيات الكاريزمية التي كانت مثل نهرو وعبد الناصر وتيتو وسيكوتوري ونكروما وكاسترو وسوكارنو لم تعد موجودة ولا بديل لها منذ اختفائها من المسرح السياسي الدولي.
والخلاصة هنا أن الرئيس ترامب يجد فى الهجوم ضد الصين واتهامها بنشر فيروس كورونا ورفض الإفصاح عن العقار الصينى لمواجهته وهو ما لم تعلن عنه الصين. وهذا الهجوم الأمريكى يساير أهداف ترامب المزدوجة:
أولها:الحد من نفوذ الصين وصعودها وبالتالي بقاء الولايات المتحدة على القمة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفي علاقاتها الإستراتيجية مع دول المناطق المختلفة لما تقدمه لقادة تلك الدول من وعود برعاية مصالح بعض قادتها وخاصة في الشرق الأوسط وعلى الأخص في المنطقة العربية.
ثانيها: كسب الرأي العام الداخلي في أمريكا فى عام الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020.
بينما الصين تعد من الدول الواثقة من ذاتها من خلال رفض وإدانة الاتهامات الأمريكية لها ومن خلال التعامل الحازم مع فيروس كورونا منذ بداية أول حادث أو إصابة منه في مدينة ووهان الصينية أو في بكين العاصمة وغيرها من المناطق الصينية. وفي تقديري أن الصين قادرة على الحد من تداعيات اقتصادها نتيجة فيروس كورونا سواءً كان انتشاره من داخل الصين أو أرسل الفيروس من دولة أخرى كما تردد امريكا والصين ضد بعضهما البعض وضد بعض الدول الصديقة لأي منهما.
دلالات الصراع الصيني الأمريكي أو الأمريكي الصيني للوصول للقمة أو البقاء عليها:
إن تغير أوضاع العالم عادةً يحدث بعد حرب عالمية كما في الحرب النابليونية في أوروبا أو في الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية. أما في هذه المرحلة فنظراً للمخاطر الكبرى لو وقعت حرب عالمية إذا أن الدول الرئيسية في العالم تمتلك كل أسلحة الدمار الشامل والساسة في هذه المرحلة أكثر عقلانية وأقل طموحاً من أولئك في حرب نابليون أو الحرب العالمية الأولي أو الثانية. رما أكثر القادة تشدداً ولا أقول تهوراً هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وموقفه تجاه إيران أو تركيا وتورطها في سوريا والآن ليبيا وموقفه تجاه روسيا وسياستها التوسعية بعقلانية وبما لا يمس جوهرياً المصالح الأمريكية حتى الآن.
الأولي إن القادة العسكريين والمؤسسات السياسية الأمريكية لن تسمح للرئيس بعمل عسكري أو حرب قد تؤدي لتدمير الولايات المتحدة ذاتها فلن يستطيع ترامب إعلان حرب دون موافقة الكونجرس وفقاً للدستور، ناهيك عن أن خصومه أقوياء وخصوم أمريكا إذ أعلنت الحرب على الصين مثلاً لا يقلون قوة عن أمريكا في أسلحة الدمار الشامل.
الثانية وفي نفس الوقت فإن الصين لن تغامر بحرب أو عدوان ضد أمريكا إلا لو قامت أمريكا بالخطوة الأولى ولمست الصين أن الدمار قادم إليها. وعادة القادة الصينيون عبر تاريخ الحضارة الصينية لا يقومون بأعمال متهورة وإنما يحسبون جيداً المخاطر. ولنا في تاريخ الصين وحضارتها خير دلالة ودرس لقادة العالم المعاصر. كما أن قادة أوروبا ليس بينهم قائد متهور مثل هتلر أو موسليني. اليابان ليست لها طموحات في هذا المرحلة كما كان لديها منذ أواخر القرن التاسع عشر وقد أدرك اليابانيون المخاطر في أي خطوة غير محسوبة كما حدث نتيجة بيرل هاربر والرد الأمريكي فالرد في هذه المرحلة قد يكون من الصين لأنها المنافس الرئيسي لليابان السائرة في الفلك الأمريكي. وينطبق نفس الشيء على دولة مثل الهند فهي لا تغامر ببدء حرب وإنما مناوشات على الحدود فقط، فقادة العالم في هذه المرحلة الزمنية من تاريخ العالم أكثر وعياً وحساسية للمخاطر التي قد تنجم عن حرب عالمية.
وارخر القرن التاسع عشر واستمر طموحاها في النتو
الثالثة: طلبت الصين من الولايات المتحدة الكف عن عقوباتها غير المنطقية لشركة هواووى والشركات الصينية الأخرى بعد فرض قيود حديثة على الصادرات للحد من قدرة المجموعة الصينية وهددت الصين بإتخاذ إجراءات مماثلة ضد واشنطن ولاسيما بفرض قيود على الشركات الأمريكية الكبرى ووضعها على قائمة الكيانات قليلة الموثوقية.
ولكن الصراع الصيني الأمريكي ليس مسالة سهلة فالولايات المتحدة هي القوة الكبرى المهيمنة والصين قوة صاعدة وكلاهما يمتلك أسلحة نووية وأسلحة حديثة. حقاً إن الصين تتجنب أية مواجهة مع أية دولة وخاصة الولايات المتحدة وفي نفس الوقت تسعى أمريكا لوقف التقدم الصيني خاصة عبر المنافسة الكاملة. وكلاهما ينتج سياسة الأزمات.
كما يلاحظ أن التلاسن الأمريكي الصينى ركز على تسريب الوباء من الصين متهماً إياها أنها مصدر الوباء وأنها تخفي معلومات حول خطورة الفيروس عمداً.
وفى المقابل هاجمت الصين بومبيو وزير الخارجية الأمريكي واتهمته بالشرير الذي ينفث السم وينشر الأكاذيب. بينما ذكر المصدر الصيني أن الفيروس طبيعي المصدر وليس من صنع الإنسان أو تسرب من مختبر، واتهم المصدر الصيني المسؤولين الأمريكيين أنهم يدلون بتصريحات دون الاستناد إلي أية حقائق وإنما الأكاذيب لتشويه سمعة الصين
الرابعة: الصين كقوة كبرى نشير للنقاط التالية لتوضيح مدى قوة الصين:
1- تحتل الصين المكانة الثانية أو الثالثة بالتبادل مع روسيا. بينما تظل الولايات المتحدة القوة العسكرية الأولى. هذا ويبلغ الإنفاق العسكري الصيني 150 مليار دولار عام 2016 بينما الانفاق العسكري الامريكي بلغ 573 مليار دولار عام 2016. وينبغي أن نشير إلي أن الصين هي القوة الثانية في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة الأمريكية ولكن إنفاقها يبلغ ربع الإنفاق العسكري الأمريكي.
2- الصين ثاني أكبر مستثمر على مستوى العالم في مجال البحث والتطوير . ويقدر إنفاقها حوالي 296.3 مليار دولار عام 2016 وهو يمثل 20.4 % من إجمالي الإنفاق العالمي على البحث والتطوير بينما يبلغ إنفاق الولايات المتحدة في هذا المجال 514 مليار دولار نحو 28.4% من الانفاق العالمي
3- إن معدل إنفاق الصين على البحث والتطوير بين عامي 2014 – 2015 يبلغ 8.40 % وتراجع في عامي 2015 – 2016 الى 6.3 %. وماتزال عملية البحث والتطوير في الولايات المتحدة تتفوق على نظيرتها في الصين.
4-الصعود الاقتصادي الصيني القوي ما زال جزءاً منه يعتمد على الخارج وهو ما يفرض على الصين تحديات كبيرة لتأمين احتياجاتها من المواد الخام الخارجية خاصة النفط حيث تستورد الصين نحو 60% من إحتياجاتها منه من الخارج وهو رغم تضاعفه منذ عام 2000 فيما يتعلق باحتياجات الولايات المتحدة واعتمادها على الخارج فإن نسبة الاعتماد على الخارج أقل.
5- أصدرت الصين أول كتاب أبيض “ورقة بيضاء” في تاريخها عبر عن صعودها ومبادئها الاستراتيجية وفي مقدمتها وحدة أراضيها وسلامتها والحفاظ على معدل النمو الذي تحققه من الدمار إذا انساقت في حروب.
6-. إشعاعات الحضارة الصينية القديمة والتي تسير على نهجها الصين الحديثة والتي تتمثل في التجارة- الاقتصاد- الثقافة في الإطار الإقليمي .أما في الإطار الدولي فهي محدودة تاريخياً فليست لها طموحات توسعية استعمارية وإنما تركز على التجارة والتعاون مع مختلف دول العالم. ونشير إلى أن الاسطول الصيني العملاق في القرن الرابع عشر وكان يقوده مسلم صيني هو الأدميرال Zheng Haوسافر من الصين جنوباً إلى إفريقيا غرباً مروراً بجنوب آسيا وإلى شرق إفريقيا عدة مرات بما أطلق عليه الأرمادة الصينية كان حاملا للتجارة وليس به مدافع أو نحو ذلك من الأسلحة كما حدث مع أساطيل الدول الإستعمارية من أوروبا تحت اسم الكشوف الجغرافية ونشر الحضارة والتبشير الديني بالمسيحية.
7- إن الاستراتيجية العسكرية التي صدر أول تقرير أو كتاب أبيض عنها عام 2015 تدرك أن الصين تواجه العديد من التحديات ولذلك أمامها فترة طويلة لتتحول إلى قوة عسكرية إقليمية أو دولية وهي لذلك تنتهج السياسات التالية:
1- تتجنب التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.
2-. تعمل من أجل الأمن والسلام في إطار مفهوم التعاون الدولي والإقليمي كما في منظمة شنغهاي للتعاون التي أنشأتها الصين منذ أواخر القرن العشرين.
3- لا تستطيع الصين الدفاع عن حدودها البحرية بصورة كاملة ولكنها تسعى لحمايتها.
4- مازالت الصين مجتمعاً به العديد من التناقضات الداخلية بالنسبة لاختلاف مستوى ومعدل النمو بين المناطق والأقاليم والمدن بل بين الأفراد مما يوحي بالعودة لنظام الطبقات من جديد في ظل سياسات الإنفتاح الإقتصادي.
5- تتجنب الصين التورط في الصراعات الإقليمية أو الدولية، حفاظاً على أراضيها وعلى أمنها وسلامتها ووحدتها الترابية.
6- تحرص الصين علي عدم تدمير النمو الاقتصادي السريع الذي حققته في السنوات الماضية وماتحقق لمواطنيها من رفاهية عبر السنين وعلاقاتها الدولية مع الدول النامية في آسيا وإفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية بل وأوروبا والولايات المتحدة.
النتائج والتوقعات المستقبلية:
ونخلص من العرض السابق للنتائج والتوقعات المستقبلية مايلي:
أولاً: إن الصين قوة اقتصادية صاعدة كبرى ولكنها ما تزال بعيدة عن أن تصبح قوة عظمى مثل الولايات المتحدة لكي تحتل مكانها على المستوى العالمي ويكون لها تواجد سياسي وعسكري واقتصادي واجتماعي وإشعاع سياسي وثقافي وديمقراطي وحقوق الإنسان مهما كانت الإختلافات بين هاتين الدولتين وما في كليهما من مثالب أو ما تواجهه كل منها من تحديات إقليمية وعالمية.
ثانياً:اختلاف المستوي التكنولوجي والإبداعي والإبتكاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً: أن الصين ما زالت مجتمعاً غير منفتح بالقدر الكافي بالنسبة للأجانب إلى حدٍ كبير بينما الولايات المتحدة قوة منفتحة وجاذبة للقدرات والمواهب الأجنبية وهذا أحد أسرار تقدمها وتميزها عن الدول الأخرى بما فيها الدول الأوربية.
رابعاً:إن الصين بها أعراق ( تسميها قوميات ) مختلفة لكن العرق الأكبر والغالب في أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم هو قومية الهان بينما القوميات الخرى الخمسة والخمسين دورها هامشي على المستوى الوطني وإن كان لها مناصب رئيسية في إطار أقاليمها. وأما الولايات المتحدة فرغم ما بها من تقدم فما تزال بها تمييز عنصري بين البيض والسود بوجهٍ خاص كما يلاحظ من الحوادث المتكررة ضد السود وردود فعلهم. وكذلك ضد أقليات معينة مثل العرب والمسلمين لعدم اندماجهم في البوتقة الإنصهارية الأمريكية. فأن الطريق أكثر انفتاحاً لوصول عناصر من قوميات أخرى للسلطة مثل اليهود وهو منفتح بدرجة أقل بالنسبة للسود والكاثوليك والعرب والمسلمين وكل ذلك في الإطار الحزبي وليس العرقي.
خامساً : إن الولايات المتحدة غنية بالموارد الطبيعية بخلاف الصين التي مواردها الطبيعية أقل واعتمادها علي الخارج أكبر .
سادساً: إن الولايات المتحدة تنتمي للأصول ألأوروبية التي ما تزال تمثل القوة الحاكمة الرئيسة في العالم الأمر الذي جعلها قوة عظمي ولها حلفاء حقيقيين عند الضرورة بخلاف حالة الصين. وإن كانت القيادات والشخصية الصينية أكثر عقلانية في سلوكها الدولي المتزن وغير الطامح نحو السيطرة علي الدول الأخرى. ولها علاقات صداقة مع الدول الأخرى إلا أنها لا ترقي لمستوى التحالف كما هو الحال في علاقة الولايات المتحدة مع الدول الأوربية.
سابعاً : تمتاز الصين بالذكاء الحضاري سواءً على مستوى القيادة أو الشعب أو المواطن العادي وذلك نتيجة حضارتها العريقة لأكثر من خمسة آلاف سنة. ومن نتائج هذا الذكاء الحضاري نذكر النقاط التالية:
-
عدم احتلالها لأي أراضي أجنبية بخلاف الحضارة الأوروبية وأمريكا أو روسيا القيصرية والحضارة الفارسية والمغول والرومان بل والعرب بدعوي نشر الإسلام والقضاء علي الوثنية ونحو ذلك.
-
عدم تدخل الصين في الشئون الداخلية للدول الأخرى وليس كما فعلت أمريكا في اختطاف رئيس إحدى دول أمريكا الوسطى( بنما – مع الغزو الأمريكي لها) أو قامت بتدبير انقلابات في دول أخرى مثل الانقلاب ضد مصدق في إيران والانقلابات العديدة في أمريكا اللاتينية أو كما فعلت أوروبا باحتلال أمريكا والكاريبي بدعوى الاكتشافات الجغرافية أو حتى كما فعلت الولايات المتحدة بفرض السيطرة على أمريكا الجنوبية باعتبارها في دائرة نفوذها كما تجلى هذا الموقف في مبدأ الرئيس الأمريكي الأسبق مونر عام 1823 في مواجهة الدول الأوروبية التي تطلعت للتدخل في شؤون أمريكا الجنوبية.
-
عدم تفكير الصين في تصدير ثقافتها أو نموذجها السياسي كما فعلت أوروبا بدعوى نشر الحضارة والتبشير الديني، و تدخلات أمريكا بدعوى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في دول غرب آسيا التي سعت لنشر دياناتها وحضارتها الفارسية والمغولية والتترية ( العثمانية) وبعض دول إفريقيا كما هو حال الحضارة الإثيوبية التي خدعها الغرب وأبرزوها في إطار الحضارة اليهودية والمسيحية وأن لها إنجيلاً خاصاً بها أطلق عليه الباحثون بأنه الإنجيل الغثيوبي وأنه مكتوب باللغة الجغرية – أي الإثيوبية القديمة- والأمهرية ومستمد من العبرية والسريانية وتمثلت حضارة إثيوبيا بأسوأ معالم الظلم وعدم التسامح بقتلها العرب في نجران عندما هددهم الإثيوبيون بالقتل حرقاً بالنار ما لم يعتنقوا المسيحية. فيما سمي بأهل الإخدود، في القرآن الكريم، الذين رفضوا اعتناق المسيحية فهددهم الإثيوبيون المحتلون بالنيران التي ألقوهم فيها. وكما قامت إثيوبيا القديمة بالتوسع وغزو الدول الأخرى منذ القدم وفي مقدمتها استعمار اليمن وبعض مناطق شبه الجزيرة العربية والسعي لتدمير الكعبة قبل الإسلام ومنها بعض دول الجوار الإفريقية مثل الصومال وغيرها من دول الجوار، والسعي للسيطرة على البحر الأحمر والبحر المتوسط بمساعدات دول أوروبية علي البحر المتوسط في العصور القديمة. وكان الأوربيون يحرضون إثيوبيا القديمة والحديثة للإقتداء بهم واستخدامها أداة لتدمير الدول العربية ودول شمال أفريقيا ومن بينها مصر، وقد أقنع الأوربيون آنذاك أثيوبيا بأنها دولة يهودية مسيحية مثلهم وأنها ذات حضارة وقوة. ومع ذلك تعرضت إثيوبيا للغزو الإيطالي في فترة ما بين الحربين العالميتين ودافعت عنها مصر ضد الإستعمار الإيطالي. وأكثر من هذا أن الكنيسة الغثيوبية كانت تابعة للكنيسة القبطية المصرية حتى آواخر الأربعينيات من القرن العشرين عندما قررت الإنفصال وإعلانها كيانًا ذاتيًا مستقلًا.
المراجع
المراجع التي استفدت منها كثيرة ولكن يهمني ثلاثة مراجع كتبها المستشرقون وهي :
-
جبرائيل سعيد رينولدز ” القرآن في محيطه التاريخي”(إعداد الكتاب في ضوء بحوث عدة من المستشرقين الأوروبيين) وترجمة سعد الله السعدي – منشورات الجمل بيروت 2012 وبغداد. والكتاب 430صفحة.
-
أميل لودفيج ” النيل : حياة نهر” ترجمة عادل زعيتر ” الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1997– والكتاب 830 صفحة.
-
ندلكه ” تاريخ القرآن” وهومن كبار المستشرقين الألمان ولكنه غير حيادي بل معادي للإسلام. وفبرك كثيراً من الآراء والأفكار المعادية.
طبعا لن أشير للمراجع عن الصين والهند واليابان والإسلام فهي عديدة لتخصصي في تلك المناطق.
سفير/د.محمد نعمان جلال
دبلوماسي وباحث في الدراسات الإستراتيجية الدولية