لقاء مع رئيس حزب التشاور الوطني الصومالي
نوفمبر 18, 2020يوم بيع أسهم قناة السويس
نوفمبر 21, 2020إن المراقب للسياسة الخارجية التركية لابد وأن يستوقفه هذا الكم الكبير من التدخلات الهدامة سواء لدعم جماعات الإسلام السياسي وبناء محاور إقليمية ارتباطاً بأيديولوجيته أو الانخراط في صراعات إقليمية عديدة، بما فيها مواجهات مسلحة، لم تعد قاصرة على سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط، بل امتدت لتشمل منطقة جنوب القوقاز حيث الحرب الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناجورنو كاراباخ. والملفت في كل ذلك أنه بالرغم من التداعيات الكارثية لهذه السياسة على الاقتصاد التركي، إلا أنه لا يبدو أن أنقرة مستعدة لإعادة النظر في سياستها أو بذل جهود جدية لاحتواء خلافاتها وصراعاتها أو حتى التخفيف منها، رغم ما أدت اليه من توترات وعداوات شملت أطرافاً عديدة على رأسها الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي والتجاري الأكبر لتركيا.
ويقدر العديد من المحللين أن السر في إصرار أردوغان على المضي قدماً في تنفيذ هذه السياسة يكمن في هوسه بالفوز بالانتخابات الرئاسية المقرر أن تجري في يونيو 2023، والتي تسبق الذكري المئوية لإعلان الجمهورية التركية في أكتوبر من العام نفسه، وهو ما بات محور سياسة أردوغان ورغبته العارمة في تجاوز إرث كمال أتاتورك، بل ومحوه إن أمكن ذلك، على غرار تحويل “أيا صوفيا” مجدداً الي مسجد في يوليو الماضي. ومن ثم يطمح الرئيس التركي في أن تحل الذكرى المئوية ولديه ما يجعله يدعي أن تركيا باتت صاحبة نفوذ وهيمنة على الساحة العثمانية تحت قيادته.
وسعياً وراء هذا الإرث، جاءت استراتيجية أردوغان (2023)، والتي تعبر عن فكر النخبة السياسية المحيطة به من غلاة الاسلاميين والقوميين المتطرفين المتحمسين لتوجهاته الخارجية، لتشمل ليس فقط تنفيذ قرارات اتخذها ببناء مستشفيات وجسور ومطارات وصناعات عسكرية، بل وأيضاً مغامرات خارجية شملت جبهات متعددة بما فيها شرق المتوسط وليبيا وسوريا وجنوب القوقاز ومواقع عديدة في افريقيا أصبح لتركيا وجوداً عسكرياً في بعضها. ويقود الائتلاف الحاكم البلاد في هذا الاتجاه، من خلال سياسة خارجية يحكمها عدد من المحددات على رأسها التطلعات الشخصية لأردوغان وأحلامه السلطوية والمسألة الكردية، والقيود الاقتصادية، عامل التوازن الجيوسياسي بين روسيا والغرب وإعادة الاصطفاف الاقليمي.
وفي تقدير هؤلاء المحللين، بما فيهم أتراك، تكمن معضلة أردوغان في أنه في الوقت الذي يرتبط فيه الاقتصاد التركي بالغرب بشدة ويعتمد عليه اعتماداً كبيراً، استثماراً وتجارة، منذ توقيع أنقرة اتفاق اتحاد جمركي مع بروكسل عام 1995 بفضله شهدت البلاد تقدماً اقتصادياً ومجتمعياً كبيراً جعلها خامس أكبر مصدّر للاتحاد الأوروبي، رفع الرئيس التركي شعار الاستقلال الذاتي الاستراتيجي لسياسته الخارجية والحد من اعتماد بلاده على الغرب. وقد كشفت أزمة “كوفيد – 19” والتي ضربت الاقتصاد التركي بقوة هذه المعضلة.
وفي سياق البحث عن إرث، بدأ نظام أردوغان في إنشاء القواعد العسكرية والادعاء بحقوق بحرية ليست له قانوناً والتحرك في اتجاهات مختلفة دون قيود أو ضوابط بدعوي تحقيق المصالح التركية. وأقام أردوغان سياساته في شرق المتوسط وليبيا، والتي صيغت بواسطة ضباط قوميين متطرفين، على عقيدة ما يعرف بـــ “الوطن الازرق” كمفهوم جديد للدفاع الوطني التركي، والذي لم يعد فيه “الوطن” يشير الي الارض وحسب، بل أيضاً الي البحر أو “الوطن المائي”. وانتشر التعبير في مارس 2019 عندما أطلق الاسطول التركي على أضخم مناورات أجريت في شرق المتوسط مصطلح “الوطن الازرق”. وجاءت هذه المناورات رداً على اعلان قيام منتدى غاز شرق المتوسط بمصر في يناير من نفس العام. وانسجاماً مع مفهوم “الوطن الأزرق” وقع أردوغان مذكرة التفاهم الشهيرة حول ترسيم الحدود البحرية في المتوسط مع حكومة السراج في 27 نوفمبر 2019 والتي كانت الذريعة لزيادة الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق من خلال توقيع مذكرة تفاهم ثانية في ذات التاريخ لهذا الغرض.
وهكذا أعطي أردوغان الاولوية للانتخابات الرئاسية المقبلة كأساس لسياسته الخارجية، مصمماً على تجاوز إرث أتاتورك، بل ومحوه إن أمكن، مما يجعل هذه الانتخابات إرثاً لا يمكن أن يخسره. وبالمثل، يطمح أردوغان أن تؤكد الذكري المئوية هيمنة تركيا واستعادتها نفوذها في الساحة العثمانية السابقة. ويمكن قراءة الكثير من تحركات أردوغان في هذا السياق ومنها:
-
– خطابه في 20 أغسطس الماضي الذي قال فيه “فتح الله لنا بابا على موارد لم نر مثلها من قبل … لقد اكتشفنا أكبر حقل غاز طبيعي في تاريخ تركيا في البحر الأسود يقدر مخزونة بنحو 320 مليار مرت مكعب … ان انتاج وتوزيع الغاز على المواطنين وتصديره للخارج سيبدأ عام 2023 الذي يشهد الاحتفال بمئوية الجمهورية التركية “وأضاف أردوغان: “هذا الاكتشاف له أهمية تاريخية لمستقبل تركيا… ونحن مصممون على تصعيد عمليات استكشاف مصادر الطاقة في البحر المتوسط قبل نهاية العام الحالي … وحل قضيتنا في مجال الطاقة … لن نتوقف حتي نصبح مصّدرين للطاقة”.
وفي إطار البحث عن إرث قال أردوغان في خطاب أخر بعدها بأيام أن بلاده تهدف الي جعل إسطنبول مركز للتمويل وللاقتصاد الإسلامي، وأنها “قريبة جداً من أن تصبح ضمن أكبر عشر اقتصادات في العالم … من خلال سفينة الفاتح (صاحبة الاكتشاف الأخير للغاز) التي نعيش بفضلها فرحة اليوم”.
ويعلم أردوغان أن الاكتشاف المعلن عنه والذي يمثل أقل من ثلث احتياطي غاز حقل ظهر المصري، لن يغير من الحقائق على الأرض كما لن يكون له أي تأثير على مدفوعات تركيا السنوية لاستيراد الغاز الطبيعي (حوالي 41 مليار دولار سنوياً) والتي ستكون أبعد ما تكون عن تحقيق الاكتفاء الذاتي لعقود قادمة وفقاً لمحللين وخبراء صناعة الطاقة. ولا تخلوا أسماء سفن المسح السيزمي والتنقيب والاستكشاف التركية التي تجوب البحر الأسود والمتوسط من دلالة مثل ” الفاتح” “السلطان محمد الثاني”، “ياووز” … الخ.
-
– قرار أردوغان تحويل أيا صوفيا الي مسجد مجدداً والذي انطلق بصورة أساسية من اعتبارات داخلية، لكنه صب أيضاً في إطار حلم أردوغان بقيادة العالم السني. وقد جاءت النسخة العربية من الإعلان الصادر عن الرئاسة التركية على ذكر تحرير المسجد الأقصى، بما يتفق وأحد أهم التطلعات السياسية للإسلام السياسي التركي، حيث حاول نظام أردوغان من خلال هذه الخطوة تقديم تركيا كصاحبة سيادة ووصية على التراث الإسلامي. وقد ساهم رد الفعل الغربي الضعيف على القرار، وتأكيد الرئيس بوتين على أنه قرار سيادي يخص تركيا رغم استياء الكنيسة الارثوذكسية الروسية التي تعتبر نفسها الزعيمة الروحية للعالم الأرثوذكسي، في تعزيز صورة تركيا لدي الاتراك العاديين على أنها بلد يتعذر وقفها – كما تردد النخبة المحيطة بأردوغان – كقائدة لحضارة إسلامية صاعدة.
-
– اتفاق أردوغان مع نظيره الروسي على افتتاح مفاعل نووي عام 2023، ضمن مفاعلات أربعة تعاقدت روسيا على بنائها لتوليد الكهرباء عام 2014، رغم الصعوبة الشديدة لذلك عملاً.
-
– مغامرات تركيا في شرق المتوسط وتدخلها في ليبيا والذي يتسق مع استراتيجية أردوغان 2023.
وتجدر الإشارة الي أنه من المنظور التركي، يعد دعم حكومة طرابلس ضروري لمواجهة مجموعة من القوي المعادية العازمة على احتواء نفوذ تركيا الاستراتيجي والاقتصادي في حوض المتوسط وفي الشرق الأوسط عموماً. وقد أشار تقرير مجموعة الازمات الدولية عن الازمة الليبية (ابريل2020)، الي أن مصر على رأس هذه القوي حيث تعتقد تركيا أنها تقود حملة لاحتواء النفوذ التركي في سائر انحاء الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ثم تأتي كلا من اليونان وقبرص – مدعومتان من الاتحاد الأوروبي- ومعهما اسرائيل، لحشر تركيا في زاوية صغيرة من البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي اقصاءها عن مشاريع النفط والغاز التي يمكن ان تكون مهمة من الناحية الجيوسياسية أيضاً”. وتعتقد أنقرة أن سياساتها في ليبيا لا تنفصل عن رغبتها في اختراق مثل تلك العقبات المفروضة عليها.
وبالنسبة للانخراط العسكري التركي في الصراع العسكري الذي دار بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناجورنو كاراباخ، فقد أشارت دلائل كثيرة الي أن انفجار هذا الصراع كان مخططاً له سلفاً بين تركيا وأذربيجان كواحد من خيارات تحريك هذا الملف. ومن ذلك مثلاً التعاون العسكري المتواصل بين أذربيجان وتركيا منذ عدة سنوات وارسال تركيا مرتزقة من شمال سوريا وليبيا قبل واثناء تفجر الصراع عسكرياً.
وجاءت آخر مغامرات أردوغان في 15 الجاري عندما زار مدينة فاروشا في شمال قبرص مؤكداً رفضه المطلق لوحدة الجزيرة وتصميمه على حل الدولتين على خلاف قرارات مجلس الأمن الدولي.
والخلاصة أنه ابتداءاً من عام 2013 وتحديداً مع سقوط نظام حكم الاخوان المسلمين في مصر، بدأت تركيا في الدخول في دوامة من الازمات السياسية المتعاقبة التي ولدت مشهداً سياسياً مختلفاً تماماً عن المشهد التي اتسم به العقد السابق. وبخلاف تحالف أردوغان الوثيق مع قطر منذ فترة طويلة، تدهورت علاقاته ليس فقط بمصر بل وأيضاً بالسعودية وبالإمارات العربية المتحدة وتصاعد هوس أردوغان بقيادة العالم الإسلامي السني وأصبحت سلطته في تركيا شخصية بشكل متزايد. وتم تقنين ذلك واضفاء طابع مؤسسي عليه في وقت لاحق عندما قام بتعديل الدستور بما يسمح بتغيير النظام السياسي في تركيا من نظام برلماني الي رئاسة تنفيذية عليا، وهو ما تطالب المعارضة اليوم بالتراجع عنه.
وعلى الصعيد الدولي، أصبحت السياسة الخارجية التركية مثقلة بالأعداد المعقدة والمتزايدة من الازمات الإقليمية المتشابكة، لا سيما في سوريا وفي ليبيا وفي شرق المتوسط، وهو ما تزامن مع تدهور علاقات تركيا بالغرب بسرعة مقابل تحسن وقتي في علاقاتها بروسيا بعد إنخراط أنقرة فعلياً في عملية توازن جيوسياسية ما بين روسيا والغرب. وكان شراء أنقرة منظومة الدفاع الصاروخي S -400 الروسية هي ذروة شهر العسل في العلاقات التركية الروسية ونقطة متدنية في العلاقات التركية الغربية. وقد حملّت هذه التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية التركية البلاد بأعباء وضغوط اقتصادية كبيرة فاقم منها أزمة “كوفيد-19”.
وهكذا وبدلاً من إدراك أردوغان أن مصالح بلاده الاقتصادية تتطلب حداً أدني من علاقات حسن الجوار واحترام القواعد الدولية المتعارف عليها باتت علاقاته الإقليمية والدولية صراعية حول العديد من القضايا. وقد راهن أردوغان على الانقسامات داخل البيت الأوروبي، حيث فشلت بروكسل في تشديد العقوبات على أنقرة خلال قمتها الأخيرة أكتوبر الماضي، كما راهن على ترامب الذي فرض على الاتحاد الأوروبي المنقسم على نفسه التصرف بحذر وتردد آزاء تركيا كي لا يدخل في مزيد من الصدام مع إدارته، وبقيت مشاكله بشكل رئيسي مع المؤسسات الامريكية الأخرى بما فيها القضاء دون حل انتظاراً لتولي الإدارة الجديدة.
عزت سعد
مدير المجلس المصرى للشئون الخارجية
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 20 نوفمبر 2020 و رابط :
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx