عقدة الخواجة ….محمد عبدالمنعم الشاذلي
يناير 5, 2021تعقيب على قضية دافور فى كتابية
يناير 11, 2021المشاكل تعتري العلاقات العربية الأفريقية، ومصر تساهم بنصيب كبير فى ميزانية الاتحاد الأفريقي، ولا تجد العائد المناسب لذلك، وبخاصة فى ملف سد النهضة مع أثيوبيا. وفى حين أن هناك فرصاً عديدة يوفرها التعاون العربي – الأفريقي، فإن هناك عددٍاً من الفروق المفاهيمية، فيما بين الكيانين العربي والأفريقي.
هذا ما كشفت عنه ندوة عن “التعاون العربي – الأفريقي… الفرص والتحديات”، استضاف فيها المجلس المصري للشئون الخارجية السيد السفير/ ماجد عبد الفتاح عبد العزيز، ممثل جامعة الدول العربية لدى مقر الأمم المتحدة فى نيويورك، والمندوب الدائم لمصر لدى المنظمة سابقاً، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره السابق للشئون الأفريقية، وافتتحها السفير د./ منير زهران، رئيس المجلس، وشارك فيها كلٌ من السفراء/ د. عزت سعد، مدير المجلس، محمد النقلي، ومنى عمر.
وفى هذا السياق، ذكَر السفير/ ماجد عبد الفتاح، فى كلمته، أن ميزانية الاتحاد تبلغ نحو 700 مليون دولار سنوياً؛ من بينها 500 مليون من الدول الأعضاء و200 مليون تبرعات. وتتحمل مصر والجزائر وحدهما 30 % من ميزانية الاتحاد (15 % لكلٍ منهما). وعلى الرغم من المساهمة المصرية والجزائرية الكبيرة في ميزانية الاتحاد الأفريقي، فإن العلاقات العربية – الأفريقية لا تلقى التأثير الكافي لذلك. على صعيدٍ آخر، فإن ميزانية جامعة الدول العربية السنوية تبلغ 60 مليون دولار، يُسدَّد منها نصفها تقريباً، رغم كثرة العوامل التي من المفترض أن تقوِّى تلك العلاقات وتعززها.
ومن جانبه، طالب السفير/ محمد النقلي– خلال المناقشات، التي تلت كلمة السفير ماجد عبد الفتاح، والتي نأتي على بقيتها لاحقاً- بوجوب إعادة النظر فى العلاقات المصرية – الأفريقية؛ إذ إن مصر لم تحصل على الدعم الأفريقي في أزمتها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وكذا الدعم الأفريقي لإثيوبيا؛ للدخول في شراكات مع السعودية حول مشروعات الكهرباء؛ رغم المشروعات الكبرى التي تجريها مصر في هذا الصدد، والتي كان من الأولى الاستعانة بها في هذا الشأن- وذلك كله على الرغم من المساهمة المصرية الكبيرة في ميزانية الاتحاد الأفريقي. كما أشار إلى أن مسألة استضافة مصر لوكالة الفضاء الأفريقية في العاصمة الإدارية الجديدة تنطوي على أهمية كبرى لتعزيز التعاون العربي – الأفريقي في هذا الصدد، كما يمكن استغلاله لصالح تعزيز التعاون الثلاثي بين أفريقيا والدول الكبرى -الصين مثلاً- عبر حلقة اتصال تمثلها مصر. غير أنه لا بد من الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن أفريقيا قد استثمرت نحو 4 مليار دولار فى أبحاث الفضاء، ولم يتم إطلاق سوى قمر صناعي واحد خاص بإثيوبيا، ومن ثَمَّ يجب العمل على تعزيز الجهود في هذا الصدد وتوفير الدعاية الإعلامية الكافية لذلك وإيلاءه الأهمية الخاصة التي يستلزمها.
وأكّد السفير د./ عزت سعد أن العائد الذي تتحصَّل عليه مصر من الاتحاد الأفريقي لا يكافئ مساهمتها الكبرى في ميزانية الاتحاد، التي تبلغ 15 مليون دولار، سواء من حيث الوظائف أو التأثير أو المواقف. ومن ثَّمَّ، تساءل عن إمكانية إعادة النظر في الاستراتيجية المصرية ذات الصلة، ومدى نجاعة التنسيق مع الجزائريين، الذين يتحمَّلون القدر ذاته من المساهمة لبحث هذه المسألة.
-
ورد السفير/ ماجد عبد الفتاح بأنه لا ريب فى أن لمصر دوراً كبيراً فى الاتحاد الأفريقى، فى ظل ما تتحمَّله من مساهمة كبيرة فى ميزانيته، وأنها حريصة على تعزيز التعاون العربى – الأفريقى بموجب سياساتها. بيد أن ذلك لا يمنع أيضاً القول بضرورة إعادة النظر فى استراتيجية التحرك المصرى فى الساحة الأفريقية. وفى هذا السياق، لا بد من أن تركز المبادرات المصرية الموجَّهة تجاه الاتحاد الأفريقى وبلدانه على خطط تنموية تعاونية واضحة المعالم. فعلى سبيل المثال، تقوم اليابان بتخصيص 32 مليون دولار سنوياً؛ لتعزيز علاقاتها مع القارة الأفريقية عبر عددٍ من المشروعات التنموية عميقة الأثر، بما فى ذلك استضافة مجموعات من الأفارقة فى أراضيها وتدريبهم على آليات الإدارة والحوكمة، ثم تعيدهم إلى بلدانهم مرة أخرى ليقوموا بتطبيق ما تعلَّموه، وفق خطط ممنهجة ودقيقة، هذا فضلاً عن توفير الخبراء اليابانيين فى كافة المجالات التى يشملها التعاون.
فرص يوفرها التعاون العربي – الأفريقي
وذكر السفير/ ماجد عبد الفتاح، في كلمته، أن هناك فرصاً عديدة يوفرها التعاون العربي – الأفريقي للبلدان ذات الصلة. ولقد سعى الجانب العربي فى إنشاء إطار لمثل هذا التعاون، إدراكاً منه لتلك الفرص والأهمية المتنامية التي أضحى يتمتع بها البعد الأفريقي فى الساحة الدولية. ولقد عُقِدت فى سبيل ذلك عدة قمم، منها ما كان في الكويت (2013) ومالابو (2016)، فيما لم تُعقَد قمة الرياض فى عام 2019 لانعدام الأجواء المُهيَّئة لانعقادها. ولقد اشتملت القمم، التي عُقِدت بالفعل، على طرح عدة أهداف ذات مصلحة مشتركة للجميع، مثل: الصفقة الخضراء أو مبادرة الحائط الأخضر؛ لأجل الحفاظ على البيئة والشروع في تطبيق برامج التنمية المستدامة ذات المنافع طويلة المدى، وكذا إيجاد آلية لتحرير انتقال الأفراد فيما بين الدول العربية والأفريقية، بما فى ذلك الجوانب المتصلة وطرق تمويل المشروعات المشتركة. في سياقٍ متصل، هناك اهتمام متنامٍ فى المجالات الزراعية والاقتصادية، ولقد عُقِد بالفعل معرض تجارى عربي – أفريقي في دولة توجو بناءً على قرار من الاتحاد الأفريقي.
هذا، وقد كان هناك اهتمام كبير بمتابعة تلك المبادرات والمقترحات. ففي المعهد الثقافي العربي – الأفريقي، على سبيل المثال، يتم التخطيط لعقد مهرجان عربي – أفريقي على هامش القمة القادمة فى الرياض، وكذا إنشاء المركز العربي – الأفريقي للهجرة، تنفيذاً لقرار قمة الكويت، ويجرى الآن العمل على دراسة المعايير، التي يتم في إطارها اختيار أحد العروض المقدمة بهذا الصدد. ولقد كان من الجلي وجود اهتمام من قِبَل القاهرة بشأن تعزيز التعاون المصري – الأفريقي، فى أثناء الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي في عام 2019، والتي كان من بينها إنشاء جامعة الرئيس جمال عبد الناصر فى غينيا، واستضافة مصر للمركز الأفريقي للسلام بعد انتهاء النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، تقدَّمت القاهرة فى فبراير 2020 بعرضٍ لاستضافة قمة تهدف إلى إنشاء قوة أفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب. ومن ثَمّ، يمكن القول بأن العلاقات العربية – الأفريقية تشهد تطورات مؤسسية كبيرة لا يمكن إنكارها.
مثالب العلاقات العربية-الأفريقية
من جهتها، أشارت السفيرة/ منى عمر، إلى أن العلاقات العربية – الأفريقية تنطوي على عدة مثالب، من بينها أن الدول العربية لا تفي بالتزاماتها وتعهداتها تجاه الدول الأفريقية، وذلك يُعَد أحد أهم الأسباب وراء ضعف الرغبة الأفريقية في التعاون مع الدول العربية. ومن المؤسف أن الأخيرة ليس لديها أية رؤية لمعالجة هذه المسألة.
وذكر السفير/ محمد النقلي، أنه عُقِدت بالفعل عدة مؤتمرات في سبيل تعزيز التعاون العربي – الأفريقي، من بينها المؤتمر الذي استضافته الكويت في عام 2013، والذي أعلنت فيه الأخيرة تقديم مليار دولار للمشروعات المشتركة بين الجانبين العربي والأفريقي، ولكن لم تظهر تفاصيل ذلك فيما بعد. في سياقٍ متصل، فإن السعودية قد تعهَّدت بتوفير 100 مليون دولار لإقامة شبكات G5 فى بعض البلدان الأفريقية، ولكن لم يتم الوفاء بذلك إلى الآن. من جهةٍ أخرى، يُلاحَظ بوضوح وجود نوع من المكايدة بين الجزائر والمغرب؛ بسبب جبهة البوليساريو والصحراء الغربية، والتي من شأنها أن تضر بالاتحاد ككل؛ حتى أنه فى مؤتمر برلين، الذى عُقِد بشأن الأزمة الليبية لم تُدعَ تونس ولا المغرب؛ مجاملةً للجزائر، رغم دور كلٍ من البلدين فى أزمة ليبيا؛ فإحداهما مجاورة لها، والأخرى استضافت اتفاق الصخيرات لحل الأزمة فى عام 2015. هذا، ولا بد من العمل على هدم الفجوة الحضارية بين الجانبين العربي والأفريقي، فالدول العربية لديها مشكلة فى التواصل مع نظيرتها الأفريقية.
بالإضافة إلى ما سبق، أشار السفير/ النقلي إلى أن إحدى نقاط الاختلاف، التي اشتهرت بين الجانبين العربي والأفريقي تتمثل فى أن البلدان الأفريقية قد نظرت إلى تدخل الناتو فى ليبيا فى عام 2011، على أنه أفضى إلى تدمير ليبيا؛ ما انطوى على اتهامٍ ضمني للجامعة الدول العربية بأنها العامل الرئيسي في ذلك، لاسيما وأنها مَن طلبت من الناتو التدخل فى الأراضي الليبية.
من جانبه، رد السفير ماجد بأن هناك العديد من العوامل المثبطة لتعزيز التعاون العربي – الأفريقي، لعل من أهمها: الخلافات الشائكة بين الجزائر والمغرب بسبب قضية الصحراء الغربية. لقد فشلت قمة مالابو فى عام 2016 بسبب تلك الأزمة، ومن شأن الانخراط الغربي واعتراف بعض البلدان الغربية بالسيادة المغربية على تلك المنطقة وفتح قنصليات لها فيها – من شأن ذلك أن يضاعف التعقيد بشأن التوصل لاتفاق شامل ومتكامل للتعاون بين الجانبين العربي – الأفريقي؛ لاسيَّما وأن البوليساريو عضو في الاتحاد الأفريقي وفقاً لقراراتٍ سابقة. بالمثل، تمثل الحالة الليبية نقطة خلاف أيضاً على الوجه المذكور أعلاه. وممَّا يُؤسَف له أنه كان هناك ستة مرشحون عرب لتولى منصب المبعوث الأممي لليبيا بالإنابة، ولكن أدى الخلاف العربي بشأنهم إلى عدم اختيار أىٍ منهم، ليقع الاختيار فى نهاية المطاف على السيدة/ Stephanie Williams.
وأشار إلى إن الجامعة العربية لا تفرض على أعضائها الالتزام بتعهداتها، ولا يزال النظام المعمول به بداخلها يقوم على سمو مبدأ السيادة المطلقة للدول الأعضاء وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وتغليب العديد من الأعضاء المصلحة الفردية على المصلحة الجماعية. ولا بد من الأخذ فى الاعتبار أن سكرتارية الجامعة العربية تقوم بدور إداري محض، على النقيض مما عليه الوضع فى منظمة الأمم المتحدة مثلاً. وتجدر الإشارة إلى أن السكرتارية العربية تحاول في الوقت الراهن التنظيم لقمة الرياض العربية – الأفريقية، ولكن تواجهها عراقيل عدة بسبب خلافاتٍ ومشاحناتٍ عربية.
فروق مفاهيمية بين الكيانين العربي والأفريقي
وأشار السفير ماجد إلى وجود عددٍ من الفروق المفاهيمية فيما بين الكيانين العربي والأفريقي، رغم حالة الزخم التي تشهدها علاقاتهما على النحو المشار إليه. فعلى سبيل المثال، يتبنَّى الاتحاد الأفريقي إطاراً مفاهيمياً راسخاً يتمثل فى اعتماد مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأعضاء، والتأكيد على مبدأ السيادة الوطنية، مع التأكيد الموازي على أن مصلحة الاتحاد مقدمة على مصلحة الدولة العضو، وكذا ضرورة التوافق بشأن القضايا المطروحة، لتشكيل موقف موحَّد إزائها. يأتى ذلك على النقيض ممَّا عليه الحال فى جامعة الدول العربية، التي تشغل مسألة السيادة الوطنية المرتبة الأولى فى العلاقات بين الدول الأعضاء تحت مظلة الجامعة، بغض النظر عمَّا يسفر عنه ذلك من تحقيق للمصلحة العربية العامة من عدمه.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الإطار المفاهيمى الأفريقي قد طرأ عليه عدة إضافات، من بينها ما يلى:
-
فكرة الاندماج الإقليمي: وهى تعزيز مكانة الكتل الاقتصادية الإقليمية فى أنحاء القارة الأفريقية كنواة لتعزيز الاندماج على المستوى الأفريقي ككل.
-
التوسع فى الشراكات مع الجهات الدولية المؤثرة: وذلك مثل الشراكة الأفريقية مع التيكاد الصيني، وغيرها مع الولايات المتحدة والهند… إلخ. ولقد أُقِرَّ – لخدمة هذا النهج- مبدأً جديداً لتيسير تنفيذ المشروعات التنموية للدولة أو للتكتل الإقليمي أو القاري، ألا وهو مبدأ “حشد الموارد” وتعزيزها. فعلى سبيل المثال، تبلغ التكلفة الحالية للمشروعات الأفريقية التنموية المرغوب فى إقامتها حالياً نحو 600 مليار دولار، بينما لا يوجد منها سوى 450 مليار، بعجزٍ مقداره 150 مليار، وفى سياق مبدأ حشد الموارد المذكور، فإنه يجرى العمل على تدبير هذا المبلغ من مصادر متنوعة. وتجدر الإشارة إلى أن مبادرة النيباد، التي أُعلِن عنها فى عام 2002، كانت إحدى أهم المبادرات المطروحة فى هذا الصدد، إلى أن جرى تضمينها لاحقاً فى أجندة التنمية الخاصة بالاتحاد الأفريقي.
-
تعزيز التعاون الأفريقي مع الأمم المتحدة: وذلك عبر افتتاح مكتب دائم للاتحاد الأفريقي داخل المنظمة؛ لتعزيز الشراكات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بين الطرفين. ولقد بلغت الميزانية المرصودة لمهام ذلك المكتب نحو 26 مليون دولار حالياً.
-
تسوية الخلافات والنزاعات الأفريقية بآليات أفريقية خالصة: ومثال ذلك استحداث لجنة الحكماء ولجنة الإنذار المبكر القاري؛ لتعزيز مفهوم الدبلوماسية الوقائية وإنشاء قوة للتدخل السريع وإدارة حفظ سلام، وذلك بغية الحد من خروج قضايا وأزمات القارة إلى خارجها، وكذا الحد من تدخلات المنظمات الدولية فى شئون القارة. وغنىٌ عن الذكر أن هذا نابع من إرادة سياسية واضحة وصلبة من قِبَل الدول الأعضاء بالاتحاد، على النقيض من أعضاء جامعة الدول العربية.
هـ- إنشاء آلية مراجعة النظراء: وهى آلية تستهدف تعزيز آليات الحوكمة الرشيدة داخل الدول الأعضاء، بما يحقق نظاماً شاملاً للحوكمة على المستوى القاري. وحرىٌ بالذكر أنها آلية اختيارية، انضمَّت إليها 37 دولة أفريقية طواعيةً. ويقوم نظام عمل هذه الآلية على تقديم كل دولة تقريراً بشأن مدى تطور آليات الحكم الرشيد بداخلها، على أن يقتصر الاجتماع المقرر لعرض ومناقشة تلك التقارير على مستوى رؤساء الدول فقط، دون سواهم.
و- ارتباطاً بمسألة تعزيز الحوكمة وتطوير أسس الحكم الرشيد، تم ابتكار قاعدة جديدة مفادها أن الدولة التى لا يتم فيها انتقال سلمى للسلطة عن طريق عملية انتخابية نزيهة، يتم حرمانها من المشاركة فى اجتماعات الاتحاد، بقرارٍ من مجلس السلم والأمن الأفريقى. ولقد حدث ذلك بالفعل مع مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، وكان من المقرر تطبيقه فى حق بوركينا فاسو، إثر عملية الانقلاب والاختطاف والاعتقال التى جرت ضد السلطات الانتقالية فى البلاد فى سبتمبر 2015، إلا أن تأثير مجموعة الإيكواس الإقليمية التى تتمتع بوركينا فاسو بعضويتها حال دون ذلك.
مصر والتكتلات الإقليمية بأفريقيا
واستطرد السفير ماجد عبد الفتاح أن دور التكتلات الإقليمية المختلفة داخل القارة الأفريقية، مثل الإيكواس والكوميسا… إلخ، يساهم فى تعظيمه الأسلوب غير الرسمي والدعم والتفاهم المتبادلين فيما بين أعضاء تلك التكتلات. كما تنبغي الإشارة إلى أن بعضها قد أنشأ محكمة خاصة به بعيداً عن الآليات الأفريقية، وعلى الرغم من أن هذا يوحى بالتفوق النوعي لتلك التكتلات على الاتحاد القاري، إلا أنه يمكن القول أن كلاً الطرفين يسيران فى مسارين متوازيين، ويعزز كلٌ منهما الآخر، لاسيَّما على ضوء الإطار المفاهيمى المذكور سلفاً. (هذا، ومن المؤسف له أنه لا يوجد فى الجامعة العربية إطار لتكتل إقليمي؛ ففي مرحلة سابقة، على سبيل المثال، كانت مصر والإمارات والأردن تشكِّل جبهة ما، ولكن فى ظل حالة الاضطرابات التى تشهدها المنطقة العربية الآن، أضحى من الصعب القول بأن مصر مثلاً ممثلة لمنطقة شمال أفريقيا أو أن السعودية تمثل منطقة الخليج… إلخ).
والواقع أن مسئولية الاتحاد الأفريقي أو الإطار القاري يبدأ من أجندة التنمية المستدامة لعام 2063، التي تستهدف إنشاء عدد ضخم من المشروعات التنموية الكبرى المشتركة فى أنحاء أفريقيا، والتى كان من بينها دخول اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية حيز النفاذ، لتساهم فى هذا الصدد؛ إذ إنه من المتوقع أن يزيد بموجبها حجم التجارة البينية الأفريقية إلى 90 %، فضلاً عن استفادة 1.2 مليار مستهلك إضافى منها.
من جهته، أشار السفير/ عزت سعد إلى أن هناك حاجة ملحَّة لانضمام مصر إلى أحد التكتلات الإقليمية الفعَّالة فى أفريقيا، لاسيَّما فى ضوء تنامى الأدوار التى تلعبها تلك التكتلات، الأمر الذي يجب استثماره من قِبَل مصر للبحث عن بديل إقليمى غير الإيجاد، الذي تسيطر عليه إثيوبيا والذى ليس له أية فعالية، مقارنة بتنظيمات إقليمية أخرى مثل: الإيكواس والكوميسا وغيرهما.
-
ورد السفير ماجد عبد الفتاح بأنه فيما يتعلق بالبحث عن تكتل إقليمي ملائم تنضم إليه مصر بديلاً عن الإيجاد أو بالإضافة إليه، فإنه يُقترَح انضمامها إلى اتحاد المغرب العربي، الذي يضم كلاً من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا؛ إذ إنه يضم كافة دول شمال أفريقيا تقريباً، عدا مصر. ولا ريب فى أن العمل على تعديل الإطار الاستراتيجي لذلك الاتحاد وتعزيزه؛ ليكون أوسع سيؤدى إلى تعظيم مكاسب البلدان المنضمة، ناهيك عن إسهامه فى حل الخلافات المثارة بين بعض بلدانه، ومن ثَّمَّ إمكانية لعب دور فعَّال فى الساحة الأفريقية مثل باقى التكتلات الإقليمية الأخرى. من جهةٍ أخرى، تجدر الإشارة إلى أن منظمة الساحل والصحراء لا تصلح للعب دور مصري محوري فيها، نظراً لأن دورها قد تقزَّم ليقتصر على المجال العسكري فقط، مع محدودية الموارد المخصصة لها، كما أن الوضع فى ليبيا يحول دون تعظيم فاعلية تلك المنظمة. فى سياقٍ متصل، يمكن القول بأن مصر راضية عن تعاونها مع تكتل الكوميسا الإقليمي داخل أفريقيا، ولا ترغب فى زعزعة ذلك بالتعاون مع تكتل إقليمي آخر.
كما أشار السفير/ ماجد عبد الفتاح، فى حديثه أمام ندوة 5 يناير 2021، إلى أن أهمية العلاقات العربية – الأفريقية والعمل على تعزيزها ترجع لعدة اعتبارات، منها:
-
أن نصف عدد الدول الأعضاء فى الجامعة العربية يتمتعون بعضوية الاتحاد الأفريقي أيضاً. وهذا الاعتبار هو المأخوذ به لدى منظمة الأمم المتحدة التى تقوم بتصنيف دول العالم، وفقاً للانتماء الجغرافي، وليس السياسي.
-
التعاون العربي – الأفريقي فى قضية التحرر الوطني من الاستعمار، والدعم الكبير الذى قدمته الدول العربية للجانب الأفريقى فى هذا الصدد، ولا يزال هذا أساساً صالحاً للبناء عليه، رغم رحيل العديد من الشخصيات الرئيسية ذات الصلة.
-
انتماء العديد من دول المنطقتين العربية والأفريقية إلى عدة تنظيمات كبرى محايدة، مثل: حركة عدم الانحياز والأمم المتحدة، وكذا مجموعة الـ 77+ الصين… إلخ.
-
الثقل النوعى للمنظمات التى تضم الدول العربية والأفريقية، فمثلاً التكتل العربى أو التكتل الأفريقى لهما دور كبير فى تمرير القرارات الأممية والترشيحات الدولية فى عددٍ من الأجهزة الدولية، بما يسفر فى النهاية عن التأثير فى القرارات المتخذة فى المنظمات الدولية.
هـ- التغيرات الكبيرة الحاصلة فى الساحة الدولية؛ إذ إنه فى عقدَى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، كان نحو 80 % من القضايا التى تشغل مكانة كبرى هى قضايا أفريقية بالأساس، مع وجود قضية عربية واحدة تقريباً، هى القضية الفلسطينية؛ أمَّا الآن فقد تغير الوضع، لتحتل القضايا العربية صدارة المشهد، فمن بين 16 عملية أممية لحفظ السلام على سبيل المثال، توجد 9 عمليات موجودة فى المنطقة العربية وحدها. من جهةٍ أخرى، أشَار إلى أن الاتحاد الأفريقى تحمَّل 25 % من الميزانية المخصصة لعمليات حفظ السلام الدولية، فيما تحمَّل عملياتٍ كاملة بشكلٍ منفرد.
-
6- أن بيئة الجامعة العربية، إلى جانب ما ذُكِر أعلاه، تنطوى على مشكلة أخرى، منوطة ببعض الدول العربية – الأفريقية، مثل: جزر القمر والصومال وموريتانيا. فعلى سبيل المثال، تشعر كلٌ من دولتَى جزر القمر والصومال بعدم وجود اهتمام عربى بهما، هذا فضلاً عن أن معيار اللغة العربية المنصوص عليه فى شروط التمتع بعضوية الجامعة غير مُستوفىً بحق البلدين، وذلك على عكس دولة تشاد – مثلاً- التى تتحدث اللغة العربية، ومع ذلك ليست عضواً بالجامعة، رغم حرصها الشديد على ذلك، ما يفترض بالتالى ضرورة اتخاذ جهد عربى فى هذا الصدد. من جهة أخرى، فإن اندماج موريتانيا ضعيف جداً داخل الجامعة، وينالها التأثير كثيراً من جانب الجزائر؛ بسبب قضيتها الخاصة بالصحراء الغربية مع المغرب. ولا ريب فى أن ذلك يستوجب ضرورة التعاطى معه والتغلب عليه، من بين امور أخرى، لأجل الحفاظ على مستقبل الجامعة العربية وتعزيز دورها على الوجه الذى يجب أن يكون عليه.