دلالات التحركات الأخيرة للصين وروسيا في الشرق الأوسط
أبريل 13, 2021أدانة الممارسات العدوانية للقوات الإسرائيلية ضد المدنيين العزل واقتحامها حرم المسجد الأقصى والتعرض للمصلين الفلسطينيين واخراجهم من داخل ساحات المسجد
مايو 11, 2021
د. مراد وهبة
إنه رفيع المقام السفير عبد الرءوف الريدى الذى كان سفير مصر لدى أمريكا. وقد تفضل مشكوراً بإهدائى كتابه الذى صدر فى طبعته الثانية وعنوانه الرئيسي: رحلة عمر, وعنوانه الفرعي: مصر وأمريكا.. معارك الحرب والسلام. العنوان الأول يوحى بأنه سيرة المؤلف أما العنوان الثانى فيوحى بأنه سيرة مصر. ومن هنا يكون عنوان هذا المقال له مبرره إذ هو يعنى التداخل بين السيرتين.
إلا أنه تداخل تم بمحض المصادفة على نحو ما جاء فى السطر الأول من كتابه ولكنى أظن أنه يعنى أمراً آخر وهو أنه لم يكن له سند فى تطور رحلته ابتداء من مولده فى عام 1933فى قرية وديعة اسمها عزبة البرج على ساحل البحر المتوسط وتقابلها على الشاطئ الآخر مدينة رأس البر. أما الصفحة الثانية فتنقلك مباشرة إلى الشاب عبد الرءوف الريدى الطالب بالمدرسة الثانوية بدمياط والبالغ من العمر ثلاثة عشر عاما يأتى إلى القاهرة فى عام 1945ليشاهد اغتيال أحمد ماهر، وليقرأ فى الصحف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر فى 1947 بتقسيم فلسطين.
وعندما تخرج من كلية الحقوق فى عام 1954 التحق بوزارة الخارجية فى عام 1955 بفضل قرار حكومة ثورة 1952بفتح أبواب العمل بالخارجية لأبناء الشعب. ثم يكرر القول بأن المصادفات هى التى جعلته مقرباً من وزراء الخارجية، وبأن المصادفات هى التى جعلته سفير مصر لدى باكستان في1979. وفى 25 ديسمبر من ذلك العام ارتكب الاتحاد السوفييتى حماقته الكبري، إذ بسبب هذه الحماقة وُلدت حركات الجهاد الاسلامى التى تولت أمريكا أمرها تدريباً وتسليحاً. وكانت النتيجة النهائية اختفاء الاتحاد السوفييتى من الوجود. إلا أن المفارقة هنا تكمن فى أن هذه الحركات ذاتها هى التى قامت بتدبير أحداث 11/9 ضد أمريكا. ومع ذلك يبقى عام 1979 هو العام المحورى للقرن العشرين، وأظن أنه هو أيضاً العام المحورى فى الحياة الدبلوماسية للسفير الريدي. ولا أدل على ذلك من أنه بعد ثلاثمائة صفحة يعود إلى تناول باكستان تحت عنوان: سفيراً فى باكستان.. البركان الذى لا يهدأ.
وبجوار هذا العنوان يكتب 1979، إذ حدثت فيه ثورة ايران والانقلاب الشيوعى فى أفغانستان وما ترتب عليهما من تداعيات مازلنا نعانى منها إلى الآن. ولكن ما يهمنى هنا هو اللقاء الذى تم بين السفير الريدى ورجل متواضع فى ملبسه اسمه برهان الدين رباني. جاء لمقابلته ليطلب منه إبلاغ الرئيس السادات بمساعدته هو وجماعته فى مقاومة السوفييت. وقد أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية. إلا أن نظام طالبان أزاحه عن السلطة. وبعد ذلك شاهد السفير الريدى تلاقى المقاومين الاسلاميين مع جماعات الاسلام السياسي. وكان كل هؤلاء يصورون فى الإعلام الأمريكى على أنهم محاربون من أجل الحرية على حد تعبير الرئيس الأمريكى رونالد ريجان. ومع ذلك فإن الدائرة تدور مرة أخرى ولكن بصورة عكسية عندما يقال عنهم بعد أحداث 11/9 إنهم ارهابيون.
ويبقى بعد ذلك أمران يلزم التنويه بهما: الأمر الأول خاص بالسادات عندما أعلن عن مبادرته أو بالأدق عن مغامرته فى الذهاب إلى اسرائيل فى عام 1977 فلم يجد من يمهد له سوى حسن التهامى مبعوثاً للقاء موشى ديان فى المغرب برعاية الملك الحسن ويقول عنه السفير الريدى بأنه: شخصية غير عادية كما كان غريب الأطوار إذ كان يعتقد أنه واصل مع أولياء الله الصالحين، وكثيراً ما يتوقف عن الحديث ليبدأ حديثاً آخر مع الإمام الخضر، ويتخاطب معه سراً أو علانية أمامنا. وكان يعتقد جازماً أنه سيحرر القدس وسيدخلها يوماً على حصان أبيض. والسؤال اللازم هو على النحو الآتي: عندما يقدم الانسان على مغامرة هل يكون مضطراً إلى الاستعانة بشخصية تزعم أنها على علم بالغيب فتستكين إليها ثم تغامر؟
أما الأمر الثانى فخاص بالدكتور أسامة الباز ويتناوله السفير الريدى فى صفحة ونصف ومع ذلك فأنا أظن أن الباز هو الشخصية المحورية فى العلاقات السرية بين السادات وكيسنجر فى شأن المفاوضات المصرية الإسرائيلية والتى انتهت فى مرحلتها النهائية باختفاء الاتحاد السوفييتى بعد إبرام المعاهدة فى عام 1979. والسؤال اللازم هنا: لماذا كان الباز هو الوحيد الذى كان يغرد خارج السرب، بل هو الوحيد الذى رفض أن يكون وزيراً للخارجية بل هو الوحيد الذى كان يكره الالتزام بالتقاليد الدبلوماسية. ومن هنا كان يستمتع بركوب المترو ويذهب إلى محل التابعى لتناول الفول. لماذا كل هذا؟ بحكم معرفتى الحميمة بأسامة الباز أستطيع القول إنه ابن جامعة هارفارد. هذه مجرد لقطات من كتاب متميز لا تصلح معه اللقطات إذ إن صفحاته كلها جزء من عمر مصر.
نشر المقال بجريدة الاهرام بتاريخ 11 مايو2021 و رابط: