مفتى كوسوفو: ضرورة إقامة علاقات دبلوماسية مع مصر
أغسطس 5, 2021حوار المائدة المستديرة (جلسة تشاورية) حول بعض القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك بين المجلس والسفارة الصينية بالقاهرة
أغسطس 10, 2021
سفير / د صلاح حليمة
نائب رئيس المجلس المصري للشئون الافريقية
إستجابة لدعوة من مجلس السلم والامن للاتحاد الافريقى ، شاركت ضمن فريق رفيع المستوى من كبار المسئولين والدبلوماسيين والخبراء من الدول الافريقية ، كان أبرزهم معالى الوزيرعمرو موسى الامين العام الاسيق لجامعة الدول العربية وعضو لجنة الحكماء الافريقية ، وذلك فى دورة تدريبية نظمها مجلس السلم والامن الافريقى ، عقدت فى أديس ابابا فى الفتره من 28 ـ 30 يوليو 2021 ، حول الدبلوماسية الوقائية والوساطة ، إنتظم فيها ما يزيد عن 160 متدرب من بينهم كبار الموظفين فى مفوضية الاتحاد الافريقى سواء بالحضور المباشر فى مقر الاتحاد بالعاصمة الاثيوبية أديس ابابا ، أو بالحضور الافتراضى VIRTUAL .
ونؤكد فى البداية أنه على الرغم من أن ما طرح من أفكار ورؤى ، وما اثير من مناقشات ومداخلات بصدد موضوع الدورة الذى تم إختياره فى تقديرنا عن عمد ، فى توقيت إرتبط بتصاعد حدة أزمة سد النهضة ، فان قراءة متعمقة لمجمل ما تم طرحه ، تنتهى الى أن مجلس السلم والامن الافريقى أسير لحد كبير لاطار وتوجهات قوى إقليمية تدفعه فى إتجاهات محددة وهو بصدد تناول القضايا الافريقية ، الامر الذى سيتضح عند العرض والتحليل المختصر لما تطرق المتحدثون اليه فى هذا الصدد ، وما إنتهت اليه الدورة من نتائج .
لعل أبرز ما يلفت النظر كلمة رئيس مجلس السلم والامن للاتحاد ـ نيجيرى ـ والتى القاها فى مستهل الدورة ، إذ بدأ حديثه ، بأن حمد الله على أن الاجتماع يضم “العائلة الأفريقية فقط “، وأنه ليس فى الاجتماع غير أعضاء من تلك العائله ، وتساءل بلهجة ذات مغزى عميق ولكنها واضحة الدلاله من حيث المضمون والهدف ، ” لماذا تعرض القضايا الافريقية فى مجلس الامن ؟ ” ” ولماذا تطرح قضايا التنمية فى افريقيا خارج القارة الافريقية ؟”. دافعا نحو التوجيه كاطار عام ، بقصر تناول قضايا القارة فى الاطار الافريقى / الافريقى وداخل المنظمة الأم . وفى عقب ذلك توالت الاحاديث والطروحات بأولوية فى الاطار الاقتصادى الافريقى / الافريقى ، والتى تمحورت حول إختزال المشكلة الرئيسية لعملية التنمية المستدامه بالقارة ، فى كلمة واحدة هى” توفير الطاقة “، مع التأكيد على أن مفتاح تلك التنمية هو تشييد وتشغيل ” سدين رئيسيين “ــ دون تسميتهما ـ ( سد النهضة بأثيوبيا ، وسد إنجا بالكونغو ) إذ حال تنفيذهما تتحول القارة الافريقية الى جنة خضراء باستزراع مساحات شاسعة من الاراضى ، واقامة صناعات زراعية على هامش الانتاج الزراعى لتوفير الغذاء لشعوب القارة فضلا عن صناعات فى قطاعات انتاجية أخرى ، وما سيترتب على ذلك من تداعيات إقتصادية بينية ايجابية وبناءة على إقتصاديات الدول الافريقية فى الاطار الافريقى / الافريقى .
وربطا بما تقدم ، تم التأكيد على أن الاتحاد الافريقيى لديه الهيكل STRUCTURE ( أى الآليات ) ويحتاج فقط الى تطوير نظام التشغيل ال SYSTEM وتحديثه ، ولكن لدية “عجز فى الوسطاء MEDIATORS الأفارقة” من حيث الكفاءة والقدرات بعد أن أصبحت الوساطه علم وفن ، وهو الامر الذى قد يدفع إلى التفكيرفى انشاء إدارة أو مفوضية للوساطه داخل هيكل الاتحاد ، وعلى نحو يتم معه الكف عن المطالبة بوسطاء من خارج القارة الافريقية فى قضايا أفريقية ، شريطة أن يتم رفع كفاءتهم ومهاراتهم . وهو فى التقدير الامر الذى يؤكد على الاقل فى الوقت الحاضر أحقية المطالبه بوسطاء من خارج القارة فى ظل هذا العوار المعترف به .
وفى هذا الصدد تم الاشارة الى ضرورة نشر وتعميق ثقافة السلام، PEACE CULTUREعلى جميع المستويات بين القوى السياسية والمنظمات الاهلية وأصحاب المصلحة GRASS ROOTS ، وبين الدول الافريقية بعضها البعض ،وخاصة دول الجوار .وقد طرح فى هذا الاطار ضرورة ” إشراك المرأه كوسيط على المستوى الرفيع “، فى إطار السعى لتحديث نظام الوساطة القائم حاليا فى اطار الاتحاد الافريقى ، والذى بموجبه يتولى دور الوسيط رئيس دولة سابق قد لا تتوافر لدية الخبرة المطلوبه للوساطة بما يستدعى إستعانته بخبراء فى هذا المجال .
وهنا أثير الدور الخطير ” لمواقع التواصل الاجتماعى ” والتى يجب التعامل معها بحذر شديد ، إذ تجمع بين وجهين لعمله واحده أحدهما يدفع نحو اتجاه والاخر نحو إتجاه معاكس طبقا لموقف طرفى النزاع ، ويصبح الامر عندئذ مرتبط لحد كبير بالوعى “بثقافة السلام” ، وإنتشارها على المستويات المختلفة .
لقد كانت هناك اشارات واضحة بان اللجوء الى مجلس الامن لن يجدى ، اذ أن دورة عادة ينحصر فى ضرورة تواصل المفاوضات ، وكأنه يدفع فقط نحو ما يسمى بخطة إشغال ، تاركا حسم الامور بقرارات من جانب المنظمة الاقليمية .
وفى هذا الصدد تم الدفع بالتركيز بشكل غير مباشر على ما يعترى تلك الرؤى من عوار ـ من واقع ما أثير على النحو المتقدم ـ إذ فى الوقت الذى تتأسس فيه على قصر تناول القضايا الافريقية فى الاطار الافريقى / الاقريقى ، فانها تكشف عن عجز الاتحاد ـ فى الوقت الحاضر وفى المستقبل القريب ـ من حيث قدرات منظومتة فى إدارة الازمة أو فى أن تكون جزءا من الحل ، أو على الأقل يكون لها دور فاعل وإيجابى فى تسوية الازمة والتوصل لحلول بشانها وإنفاذها . فى هذا الاطار تم الدفع أيضا بضرورة أن يكون هناك ” سقف زمنى” TIME FRAME لعمليات التفاوض عبر الوساطة ، حتى تحقق الدبلوماسية الوقائية الهدف الذى تجرى المفاوضات بشأنه ، ويتعين تقييم ما يتم إحرازه من تقدم ، وتقرير الخطوة التالية ، وإمكانية الرجوع للمستوى الاعلى لتعزيز فرص انجاح المفاوضات ، وإزالة ما قد يعترضها من عقبات أو مخاطر ، خاصة إذا كان هناك ما يهدد السلم والامن الاقليمى والدولى .
واقع الامر، أن ما تقدم من طروحات تغفل لحد كبير أن القارة الافريقية جزء لا يتجزأ من مجتمع دولى تحكمة “مواثيق وقوانين واتفاقات دولية ” ، وهى مرجعيات أساسية عند إدارة أزمة والتوصل الى حلول بشأنها عبر الدبلوماسية الوقائية أو الوساطه الاقليمية أو حتى الدولية ، وإن نهج الانكفاء على الذات الى حد الانغلاق يضع القارة فى عزله نظرية بعيدة عن الواقع ، وعن ما تفرضه متطلبات ومقتضيات الامن الاقليمي والدولى وعمليات التنمية المستدامه المرتبطة لحد كبير بتوفيرإستثمارت ضخمة وتكنولوجيا حديثه ودعم دولى من الدول الكبرى والدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية ، حتى يمكن للقارة الافريقية أن تتتجاوز التحديات الامنية والاقتصادية والاجتماعية التى تقف أمامها . وهى أمور فى مجملها فى التقدير ـ مع الاحترام لرؤى تعظيم وتنامى العلاقات الافريقية / الافريقية فى كافة المجالات ، والتى تحظى بكل الدعم والتأييد وبالأولوية ـ الا أنها تظل حبيسة لضرورة تعاون اقليمى ودولى مع المنظمات الاقليمية والدولية والدول الاعضاء بها فى شتى المجالات سواء كان ذلك فى الاطار الثنائى أو الاطار المتعدد .
من ناحية أخرى ، وفى الاطار السياسى ، تم طرح طبيعة وأطراف الصراع فى القارة الافريقية ، وقد تحددت فى داخل دول القارة بالصراع القبلى على السلطة والثروة ( أى الموارد الطبيعية وخاصة الماء والكلأ ) ، وبالصراع الفكرى أو ما يمكن أن نطلق عليه مجازا الايدولوجى من أجل السيطرة والنفوذ والهيمنه ، خاصة بالفكر الدينى المتطرف إلى حد اللجوء الى العنف والقوة المسلحة فى إنتهاك واضح للمواثيق والقوانين الدولية .وبينما الصراع القبلى ، بثلاثيته الدينية والثقافية والإثنية ـ يمتد بجذوره فى أعماق شعوب دول القارة ، فان ” المصالحة القبلية ” أحد الوسائل الناجعة للدبلوماسية الوقائية من أجل التوصل الى تسويات لذلك النوع من الصراعات مع إقتران ذلك بتشجيع ” مبدأ المواطنه ” بين القبائل والعشائر على نحو يخفف من حدة تلك الصراعات ، وربطا بمبادرة إسكات البنادق التى مد آجلها لعام آخر .أما فيما يتعلق بالصراع الفكرى أو الايدولوجى فانه يواجه ـ كتحدى يتسم باللجوء للعنف والقوة والسعى لهدم مؤسسات الدولة لفرض رؤيته وإقامة نظامه ـ بجانب اللجوء للقوة المسلحة ضد التنظيمات الارهابية والقوى الداعمه لها وفى إطار تعاون إقليمى ودولى ـ بفكر مضاد ، مدعوم” بقوى ناعمة ” SOFT POWER تشتمل على تحديث نظم التعليم بما فى ذلك الخطاب الدينى ، ونظيره الاعلامى ، وتكثيف حملات نشر الوعى والمعرفة واضطلاع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى ـ وخاصة المنظمات النسائية والشبابية ـ بدور محورى فى هذا الصدد.
من ناحية ثالثة ،أثير من واقع رؤية على المستوى الاقليمى ،بأن هناك صراع بين قوى إقليمية أربع على مستوى القارة الافريقية من حيث الوزن والتأثير على مجريات الامور الاقليمية والدولية ، تحددت فى مصر/ الجزائر/ نيجيريا / جنوب أفريقيا ، بالتوازى مع صراع دولى بين القوى الكبرى تحددت فى الولايات المتحدة / الصين / روسيا ، الاتحاد الاوروبى ( الهند ، تركيا، إيران ، دول الخليج وخاصة الامارات ، والسعودية ، اسرائيل ) ، يدور حول المصالح والسيطرة والنفوذ . وهذه الرؤية فى التقدير قد جانبها الصواب ولو جزئيا ، إذ أنها على أرض الواقع تسير فى إتجاه مختلف ـ يتأسس فى الاطار الافريقى بين تلك القوى على التعاون وليس التصادم على التنافس وليس التنازع ، بما يتسق ومصالح دول وشعوب القارة ويحقق الامن والاستقرار، ويدفع عمليات التنمية المستدامه ربطا ببرنامج الاتحاد الافريقى 2063 نحو الاندماج الاقليمى والتكامل الاقتصادى ، وهو الامر الذى تجسد فى فترة رئاسة مصر للاتحاد الافريقى عام 2019 ، وتواصل حتى الآن فى المجالات الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ( وخاصة فى القطاع الصحى والانسانى ) .
من ناحية أخرى تم الاشارة الى مهددات مستحدثة تطال الأمن والسلم والاستقرار فى القارة الافريقية ، يتعين على آليات مفوضية الاتحاد الافريقى أن تتضافر جهودها مع مجلس السلم والامن فى تداول هذه المهددات ومواجهتها ، ومن أبرزها جائحة كورونا وما تثيره من تحديات جسام على شعوب ودول القارة الافريقية ، وكذا تعاظم مخاطر ظاهرة الاحتباس الحرارى فى إطار قضايا المناخ والبيئة ، فضلا عن أرهاصات نظام دولى جديد يتسم بتعدد الاقطاب .
وإذ نؤكد على أهمية مشاركة مصر فى مثل هذه المناسبات أو الاحداث EVENTS حيث تكشف وتشكل فكر وتوجهات الاتحاد الافريقى فى القضايا الافريقية الحيوية وخاصة الامنية والتنموية ، التى تستوجب التعرف عليها ومواجهة ما قد يعد من بينها تهديدا او زعزة للأمن والاستقرار ، والاضرار بمصالحنا القومية والوطنية ، فقد لمسنا وبحق إدراك ووعى تام لطاقم السفارة المصرية بأثيوبيا لمجمل هذه الامور والتصدى لها على نحو يستوجب توجيه تحية تقدير لهم .