الخلافات الكردية الكردية من جديد ـ1ـ
أكتوبر 14, 2021فى ندوة السفير/ نبيل نجم حول كتابه “قصة الأمس”: سفير العراق الأسبق لدى مصر يدعو الدبلوماسيين إلى كتابة مذكراتهم
أكتوبر 19, 2021السفير محمد بدر الدين زايد
طرحت هنا، منذ عدة أسابيع، ضرورة النظر إلى حظر فيسبوك للرئيس الأمريكي السابق لمدة عامين فى إطار دلالاته الحقيقية، وليس فى إطار تقييمنا السلبى أو الإيجابي للرجل، وأشرت، بوضوح، إلى أننى أحد الذين انتقدوا ترامب بقوة، وسجلت تحفظاتي تجاه سلوكياته ومواقفه منذ حملته الانتخابية، لكنني أجد أن تنفرد إدارة فيسبوك بهذا القرار- وكأنها حكومة عالمية فوق الحكومات ودول العالم- هو أمر خطير، ويجب أن يتنبه له العالم، ولا يجب أن يمر مرور الكرام، وأن موقفي هذا لا علاقة له بترامب، بل إننى أتفهم قرار الشركة تجاه تجاوزاته وخطورة ما حدث عند مسألة تسليم السلطة للرئيس بايدن فى يناير الماضي، ولكن كل هذا لا يبرر انفراد الشركة بهذه السلطة.
ولقد شهدت الأسابيع الماضية تطورين مهمين أجد فيهما تعزيزا لوجهة نظري، أولهما الشهادة التى أدلت بها السيدة فرانسيس هاوجن، أحد أكبر مهندسي شركة فيسبوك، والثانية توقف فيسبوك، وكذا الواتس آب، وما أسفر عنه هذا من خسائر عالمية هائلة. بالنسبة للحدث الأول، فقد حظى بقدر كبير من اهتمام الإعلام الأمريكى والدولى، وهى موظفة سابقة بفيسبوك، حيث كشفت عن عدد من الوثائق السرية، التى من بينها أن منصاته تضر بالأطفال بشكل متعمد لتحقيق الأرباح، وتعزز الفرقة والانقسامات بين الشعوب، كما تحدثت هاوجن، خلال جلسة استماع بالكونجرس، عن أن فيسبوك لا يعبأ إلا بالأرباح، فضلا عن إخفاء الشركة لمعلومات خطيرة، وفى الحقيقة أننى شخصيا لم أكن أبدا من متابعي الفيسبوك أو التعليق عليه، ولكن ظروفا مرضية عارضة منذ عدة شهور جعلتنى أشاهد هذه المنصة مع صعوبة القراءة آنذاك، وبدأت أشاهد، بشكل محدود للغاية دون تعليق إلا فى أندر المناسبات، وبالقطع فاجأنى ما رأيت، بما فى ذلك ظواهر أعتبرها تحتاج لدراسات وتأمل هادئ، وعلى رأسها تحول هذه المنصة لمحطة إعلامية لا يحاسب أحد فيها أحدا على ما يقال أو يكتب، ومن المؤكد أن ما تمثله من مخاطر على النمو الطبيعى للأطفال هى مخاطر غير مسبوقة وتهديد لمستقبل الأجيال المقبلة فى كل مكان، وأظن أن ما سمعته عن كم الوقت الذى يقضيه البعض فى هذه الوسيلة يثير القلق بشأن الكبار أيضا.
والواقعة الثانية المتعلقة بالخسائر الناتجة عن توقف الفيسبوك والواتس والماسينجر وما نتج من خسائر للشركة ربما لا تعنى أحدا آخر، ولكن من المؤكد أن توقف الواتس قد سبب إشكالات وصعوبات لكثير من المصالح والمؤسسات والأفراد الذين يعتمدون الآن على هذه الوسيلة للتواصل وتسجيل الطلبات بوصف هذا ضمانات فى تنفيذ وإدارة العمل.
عندما كتبت منتقدا فيسبوك لحجب التعليقات الفلسطينية والمواقع التى تكشف سوءات الاحتلال الإسرائيلى وجرائمه، كان لسان حال البعض يتحجج بما قالته الشركة من أن لديها لجنة متابعة ومراقبة، وأنها تتحرى كل الموضوعية ولا تحذف إلا رسائل الحض على الكراهية، ولكن الشركة فى الحقيقة اعتبرت أن الانتقادات لإسرائيل وكشف جرائمها العنصرية والتمييزية ضد العرب هى من قبيل أعمال الحض على الكراهية، بينما لم تعتبر الإجراءات والتصرفات الإسرائيلية هى التى تشكل جريمة الحض على الكراهية والتمييز، وفى الحقيقة أن هذه القضية لم تكن بحاجة لشهادة المهندسة هاوجن التى فضحتها، بل كانت هذه السلوكيات هى الكاشفة عن خطورة هذه الوسيلة وأى تخطيط استراتيجى كان تبنى لبناته لمزيد من السيطرة على عقول ووعى العالم، الذى سار أشواطا طويلة منذ تكريس هيمنة وسائل التواصل الاجتماعى هذه.
وفى الحقيقة أننا كنا نتحدث منذ عقود حول العولمة وثورة المعلوماتية وكيف صار العالم مختلفا وصغيرا، ولكن ما يحدث فى العقد الأخير قد تجاوز كثيرا كل هذا، وانتقلنا من عصر سيطرة الولايات المتحدة والغرب إلى عصر سيطرة شركات أمريكية على العالم والتحكم فى مقدراته ومصيره، وبشكل أرادته ووظفته الحكومة الأمريكية فى البداية، ولكن ربما يخرج حتى عن سيطرتها، وإن كنت لا أظن هذا حتى الآن، ولأننى لم أكن أبدا من دعاة نظرية المؤامرة فإن الأمر يبدو اليوم أقرب إلى سيطرة مؤسسات وجهات مخابراتية ورجال أعمال قادرين حتى على إزاحة ساسة وضرب شركات منافسة والتأثير بعيد المدى فى أجيال من البشرية لا ترى العالم إلا من خلالهم وما يسمحون به.
وإذا كانت مجلة تايم الأمريكية قد أعلنت دعمها لهاوجن، ودعت إلى حذف فيسبوك، وأنه لن يصلح نفسه، فإننى أيضا أرى استحالة إصلاح هذا الخلل الهيكلي فى العالم، وأن تسلم منصة بهذه الخطورة لشركة خاصة صارت حكومة فوق الحكومات تحجب رئيس جمهورية سابقا حتى لو كان يستحق هذا، وتحذف مواقع فلسطينية تكشف الجرائم الإسرائيلية، ومازلت أؤكد أن الدبلوماسية المصرية تستطيع أن تقدم مبادرات لمراجعة هذا الخلل وإنشاء هيئة دولية محايدة ومستقلة بشكل حقيقي للإشراف على هذا الفضاء الإلكتروني الذى لا يمكن تركه لشركة ولا حتى دولة عظمى.
نشر المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 18 أكتوبر 2021، عدد 6334 و رابط؛
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2441136