مشاركة المجلس فى ندوة مؤسسة كيميت بطرس غالى للسلام والمعرفة حول “الخارجية المصرية فى مئة عام”
فبراير 28, 2022ندوة حول “الأزمة الروسية الغربية حول أوكرانيا وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط”
مارس 1, 2022السفير د. عزت سعد
كسب صداقة الولايات المتحدة والغرب والتعامل مع روسيا كشريك متساو كان دائما من أولويات بوتين.. لكنهم رفضوا
نموذج السيسي في إدارة السياسة الخارجية بالغ الحكمة
روسيا أرادت توجيه رسالة ردع لكل الدول الطامحة في الانضمام للناتو
الحشد العسكري الروسي كان جرس إنذار للدول الغربية بأن لروسيا احتياجات استراتيجية ستتدخل عسكريا للدفاع عنها إذا لزم الامر
روسيا والغرب لهما مصالح مشتركة في قضية استعادة الاتفاق النووي
استنزاف قوة الجيش الروسي في المعركة من بين الأهداف المتوقعة لدعم الغرب لأوكرانيا
أمريكا تحشد الدعم لأوكرانيا ولكنها لن تدخل في حرب مباشرة مع روسيا بسببها
لا صوت يعلو فوق صوت طلقات المدافع وأزيز المروحيات داخل الأراضي الأوكرانية، وذلك بعدما أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوامر لقواته بتنفيذ عملية عسكرية خاصة، كانت الولايات المتحدة تحذر من وقوعها على مدى أسابيع، متوعدة الجانب الروسي بعقوبات قاسية حال حدوثها.
سمع الرئيس الروسي التحذير وأجرى حساباته مقدرا العواقب؛ ليأخذ القرار بالتقدم؛ فاتحا أبوابا واسعة للتكهنات والتحليلات فيما ستفض إليه الأيام المقبلة، فكل حركة من حركات عقرب الساعة يولد معها جديد.
ولتحليل ما جرى إلى وقتنا الراهن؛ بغية الوصول لتفسيرات تفك الالتباسات وتسهل من توقع مآل الأيام المقبلة من المعركة الدائرة، حاورنا الدكتور عزت سعد، مدير المجلس المصري للشئون الخارجية، والسفير المصري الأسبق لدى موسكو، والذي أكّد أن التدخل العسكري الروسي لم يأت مباغتا من الرئيس الروسي، بل سبقته مساعي دبلوماسية عديدة مكثفة، ثنائية ومتعددة الأطراف، بغية التوصل إلى حل، مشيرا أن روسيا تحاول أن تستعيد وضعيتها على الخريطة العالمية بعد تراجعها على مدى ثلاثة عقود منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق.
وأوضح أن الرئيس الأوكراني، فشل في خلق نوع من التوازن في علاقاته مع الغرب وروسيا ومراعاة خصوصية الجغرافيا السياسية لأوكرانيا بالنسبة لروسيا، كما بالغ في التعويل على المساندة الغربية، وشدد على أن الإطاحة بنظام حكم الرئيس الأوكراني وتولي الجيش السلطة بأوكرانيا سيريح بوتين ويحقق مطالبه.
وتطرق سعد، للصدى الدولي الذي أحدثته العملية الروسية، بأنها رسالة ردع للدول الراغبة في الانضمام للناتو، وأشاد بموقف الرئيس السيسي في إدارة الشأن الخارجي في خضم تلك الأزمة، بالتأكيد على تنويع الاختيارات والانفتاح على كافة القوى بما يراعى المصالح المصرية، والتي باتت توجها عالميا من القوى الكبرى.
وإلى نص الحوار..
س: في البداية.. لماذا تدخل بوتين عسكريا ولم يكتف بالحشد العسكري الموسع للجيش الروسي على الحدود الأوكرانية، رغم أنه أدّي لآثار واضحة من إثارة قلق الولايات المتحدة ودول الناتو؟
– الحشد كان بهدف الضغط على الطرف الآخر بهدف الجلوس والتفاوض على مطالب الرئيس بوتين، وأهمها ضمانات مكتوبة بعدم توسع الناتو شرقا، ورغم جولات المفاوضات والحوارات المكثفة بين القيادة الروسية وزعماء الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الرئيسية، إلا أنها لم تسفر عن نتائج واضحة. ومن أبرز أسباب فشل ذلك، انشغال الجانب الأمريكي بأزماته الداخلية والتباين في مواقف ومصالح بعض الدول الأوروبية مع روسيا.
س: لماذا لم يطُل أمد تلك المفاوضات والحيلولة دون الخيار العسكري؟
رغم عقد عدد كبير من جولات التشاور بين الجانبين الأمريكي والروسي، كانت النتائج بالنسبة للروس غير مرضية وغير مقنعة، خاصة وأنهم طالبوا بضمانات مكتوبة بعد توسع الناتو وأيضا عدم نشر صواريخ هجومية.
وبالمناسبة فإن بوتين في مرات كثيرة مد يده ودعا إلى علاقات طيبة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، ومن أبرز الشواهد موقفه من «أحداث سبتمبر2011» حيث كان اول زعيم أجنبي يتصل بالرئيس الأمريكي جورج بوش، مبديًا استعداده لدعم أمريكا في حربها ضد الإرهاب بكل الطرق؛ لذا كان تأكيده في خطاب ما قبل «العملية العسكرية الخاصة»، بأنه «لطالما رغبنا في صداقة الغرب؛ لكنهم لم يريدوا ذلك».
لذلك كانت العملية العسكرية ضرورية كرسالة جدية بأن حشده لم يكن فقط تهديدا فارغا، وبحساباته أيضا أنه لابد وضع نهاية لتوسع «حلف الناتو» الذي توسع خمس مرات منها أربع مرات خلال حكم بوتين الطويل، ووصول المد لأوكرانيا كان سيشكل كارثة وهزيمة استراتيجية من منظور بوتين، لما لها من خصوصية بالنسبة لروسيا.
والرئيس بوتين ينظر للنظام الحاكم في أوكرانيا على أنه نظام غير شرعي وأنه لكي يكون شرعيا عليه تنفيذ اتفاقيات منسك التي تقر حقوقا للأقليات الروسية في الإقليمين الانفصاليين دونيتسك ولوجانسك، اللذين اعترفت روسيا بهما كدولتين مستقلتين وعقدت معهما اتفاق دفاع وتعاون مشترك، قبل بدء العملية العسكرية.
س: علّق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الأحداث الجارية، واصفا الإدارة الأمريكية الحالية بالغباء، وأنها تسببت في المأزق، ما مدى التغير في السيناريو الراهن لو كان ترامب هو من في البيت الأبيض؟
أعتقد أن ذلك نوع من المناكفات السياسية التي اعتدنا عليها من ترامب؛ ورغم ما بدا من صداقة وإعجاب متبادل بين ترامب وبوتين، وترحيب روسيا بفوز ترامب في انتخابات 2016، إلا أن علاقات موسكو بواشنطن كانت الأسوا في عهد ترامب، الذي رفض في العام الأخير من ولايته التوقيع على مد العمل بمعاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى (INF) والتي كان من المفترض أن ينتهي سريانها في فبراير 2021. وجاء بايدن ووقع عليها في فبراير من ذلك العام.
س: بمتابعة لخطابات الرئيس الأوكراني، نجد أن نغمة اللوم للدول الغربية حاضرة، فيما يشير بأنه كان يحتاج لدعم عسكري مباشر، هل ذلك يمكن ان يدفعه للتراجع عن طلب الانضمام للناتو مادام لم يحارب الحلف لجانبه؟
الرئيس الأوكراني قدر خطأ أن الغرب، أو بالأحرى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، قد تدخل الحرب بجانبه، وإن كنت أشك كثيرا في أنه لا يعلم أن نص المادة الخامسة من المعاهدة المنشئة للحلف تنص على أن تدخل الحلف عسكريا قاصر على الدول الأعضاء أو أي منها عندما يتم الاعتداء عليها. وربما يكون الرئيس قد توقع أن يبذل الغرب المزيد من الجهد لتجنب تدهور الوضع، حيث جاء اعتراف روسيا بالإقليميين في 21 فبراير ثم تدخلها العسكري في 24 من نفس الشهر مفاجأة غير سارة لزيلنسكي.
ومع ذلك يلاحظ الآن ما يشبه السباق بين الحلفاء الغربيين، خاصة الأوروبيين، لتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا والمساعدات الإنسانية على نطاق واسع، وربما لم يكن يتوقع الرئيس بوتين أو حتى الرئيس زيلينسكى ذلك.
س: هل سيقدم الجانب الأوكراني التنازلات المنتظرة من الرئيس الروسي لبدء مفاوضات جادة؟
التقدير السليم لذلك يتعلق بمدى تقدم أي من الطرفين في المعركة الدائرة على الأرض، والقاعدة أن المنتصر أو المهيمن على المشهد العسكري هو من سيفرض شروطه. وكلما طال أمد المعركة، وهو المتوقع على ما يبدو مع تواصل الامدادات العسكرية لأوكرانيا ، ستبدو روسيا وكأنها الطرف الخاسر، ناهيك عن صورتها أمام الرأي العام الدولي، خاصة مع تدفق اللاجئين الأوكرانيين على البدان المجاورة.
س: ما الأفضل للجانب الأوكراني: الدخول في المفاوضات مع روسيا منفردة أم مع الأوربيين؟
من الوارد أن تأخذ المفاوضات الشكل المنفرد أو الجماعي اذا وافقت روسيا على ذلك، وحتى لو جلست أوكرانيا منفردة مع روسيا؛ فمن الطبيعي أن يكون هناك تنسيق مع الدول الصديقة والداعمة من حلف الناتو، واعتقد أن مفاوضات بدأت بالفعل بين وفدين من الجانبين في منطقة حدودية بين بيلاروس وأوكرانيا، دون شروط مسبقة حسبما أعلن. وسيكون من الجيد التوصل لوقف اطلاق نار على الأقل، على أن تناقش القضايا الخلافية لاحقا. فالمهم هو وقف الحرب وحماية المدنيين.
س: على مدى أشهر عديدة عقدت ثماني جولات من المفاوضات في فيينا بين إيران والقوى الكبرى لإحياء« الاتفاق النووي»، هل تتوقع أن تتخذ روسيا موقفا لصالح إيران في المفاوضات ؟
هذا غير وارد على الإطلاق، فجميع القوى المتفاوضة مع إيران لها مصلحة مشتركة في ألا تمتلك إيران قدرات نووية للاستخدام العسكري. ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق اتخذت كلا من روسيا والصين موقفا رافضاَ للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من جانب واحد. وكما تعلم فإن إيران شريكة لروسيا في سوريا ولدى البلدان مصالح مشتركة، ولكن أيضا هناك خلافات حول بعض القضايا.
س: بعد تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال الجمهوريات التي كان يتشكل منها، وقعت أوكرانيا اتفاقيات مع الدول الكبرى بالتخلّي عن قوتها النووية مقابل ضمانات أمنية، هل تعرضها لضربة عسكرية من قبل روسيا يجعلها تطمح في أن تكون قوة نووية والتهرب من التزامتها بموجب هذه الاتفاقيات؟
لا أعتقد ذلك، فالحالة الأوكرانية حسمت منذ عقود، حيث كانت أوكرانيا القوة الثالثة عالميا من حيث امتلاك الأسلحة النووية. وفي إطار تسويات ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ورثت روسيا مقعده الدائم في مجلس الأمن وقدراته النووية العسكرية، وبالتالي نزع السلاح النووي من الجمهوريات الأخرى السوفيتية السابقة وتحديدا أوكرانيا، بالتفاهم مع القوى النووية الكبرى المعترف بها وهي الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن.
س: في تقديركم هل أصبحت السياسة الخارجية المصرية نموذجا مفيدا للدول الأخرى في المجتمع الدولي؟
كل دولة تصمم سياستها الخارجية بما يتفق ومقتضيات أمنها القومي ومصالحها. وكثيرا ما نقول إن السياسة الخارجية تعد امتدادا للسياسة الداخلية. وبمعنى آخر، فإن استقرار الدولة وقوتها الاقتصادية والسلام الاجتماعي فيها، عادة ما يؤهلها للعب دور فعال على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد أمكن لمصر تحقيق ذلك بفضل تركيز الرئيس السيسي على إعادة تعافي مصر اقتصاديا واجتماعيا وتحقيق طفرة واضحة في هذا الشأن جعلت مصر نموذجا للأشقاء الأفارقة وغيرهم.
وفضلا عن ذلك، كثيرا ما يتحدث الرئيس عن التوازن والندية في علاقات مصر الخارجية وانفتاحها على كل الدول أيا كان حجمها. وفى هذا السياق تتمتع مصر بعلاقات طيبة بكل من روسيا وأوكرانيا، ولذا لم نكن نتمنى أن تحدث هذه المواجهة العسكرية وأن يسوي البلدان خلافاتهما بالوسائل السلمية وفقا لميثاق الأمم المتحدة. وهذه ركيزة أساسية في سياسة مصر الخارجية.
س: هل أثرت العملية العسكرية الروسية على سمعة وهيبة حلف الناتو بشكل سلبي؟
أرى أنه بالعكس، فقد رفعت من أهميته؛ بوجود عدو واضح يستوجب استمرار الحلف وتعزيزه، وذلك، بعد أن كان محل انتقادات في السنوات الأخيرة إلى حد وصفه بأنه في حالة “سكتة دماغية” على حد قول الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، العام الماضي، عندما وقعت كل من أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، شراكة أمنية معززة – أطلق عليها مسمى Aukus (اختصارا لأسماء الدول الثلاث) – بموجبها ستحصل أستراليا على صفقة غواصات بريطانية / أمريكية تعمل بالطاقة النووية، بدلا من صفقة أخرى كانت قد وقعتها مع فرنسا بقيمة 60 مليار دولار، الأمر الذي وصفته فرنسا بأنه “خيانة”.
س: خيار الرئيس بوتين بالتدخل عسكريا، هل يرفع من أسهم الخيار العسكري في حسم نزاعات أخرى مثل التي بين الصين وتايوان؟
لا أعتقد ذلك، فالسياسة الخارجية الصينية تتسم بالحذر والصبر، وتميل لتحقيق الأهداف والمكاسب بتمهل دون ضجة، وتحقق ذلك في انتزاع اعترافات دولية هامة تخدم مصالحها مثل اعتراف المجمع الدولي بمبدأ الصين الواحدة، ومنحها عضوية دائمة بمجلس الأمن بدلا من تايوان وتسوية قضية هونج كونج باتفاق دولي مع المملكة المتحدة.
وتولي بكين أولوية لقوتها الاقتصادية والتجارية إلى أن تصبح القوة الأكبر عالميا. ولا أحد يتكهن بما ستكون عليها سياستها الخارجية حينئذ.
س: هل سترسم العملية العسكرية واقعا مختلفا للنظام العالمي، بنظام متعدد الأقطاب بعيدا عن سيطرة الولايات المتحدة على السياسة العالمية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي؟
أعتقد أن تعددية الأقطاب أصبحت بمثابة حقيقة واقعة، وإن كانت الولايات المتحدة ماتزال القوة الأعظم عسكريا واقتصاديا حيث نجد الولايات المتحدة والصين، والآن روسيا التي تسعى إلى وقف تراجعها الجيوسياسي الذي بدأ قبل ثلاثة عقود مع سقوط الاتحاد السوفيتي.
ما مدى فاعلية العقوبات على روسيا في نظرك؟
كثيرا ما يقال إن من يفرض العقوبات سيتأثر بذلك، بصورة أو بأخرى مثل من فرضت عليه، ويختلف هذا بالنسبة لكل الدول الضالعة في الأزمة؛ فأمريكا مثلا علاقتها التجارية بروسيا لا تذكر، على عكس الدول الأوربية التي لها مصالح اقتصادية وتجارية مع روسيا من أهمها «ملف الطاقة» لذا لم تمسه أية عقوبات حتى الان.
وقد لاحظنا أن العقوبات الغربية المفروضة هذه المرة، خاصة إخراج روسيا من نظام المدفوعات الدولية المعروف باسم “سويفت”، قد أدى إلى تراجع كبير في أسعار الروبل أمام العملات الدولية، كما أن إغلاق الأجواء أمام حركة الطيران سيؤثر بشدة على حرية انتقال الأشخاص بما في ذلك حركة السياحة إلى مصر. ونأمل أن تنتهى هذه الحرب سريعا بسبب تداعياتها الاقتصادية والتجارية على الجميع بما فيها منطقتنا.
نشر المقال بجريدة الشروق بتاريخ 1 مارس2022 و رابط :
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=01032022&id=6b57f053-c693-4123-82b8-146c4b3c7c0b