مدير المصري للشئون الخارجية لـ«الشروق»: هدف بوتين هو إسقاط النظام الأوكراني.. وزيلينسكي أخطأ في تقديره للدعم الغربي
مارس 1, 2022المصلحة الوطنية أولًا
مارس 7, 2022
بتاريخ 1 مارس 2022، نظَّم المجلس ندوة حول “تداعيات الأزمة الروسية الغربية حول أوكرانيا وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط”؛ حيث تناولت محاور ثلاثة رئيسية عالجت كلاً من المنظور الأوكرانى، والمنظور الروسى، ورؤية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها فى منظمة حلف شمال الأطلنطى للصراع. وقد افتتح الندوة السفير د./ منير زهران رئيس المجلس، وشارك فيها أعضاء المجلس من الخبراء والأكاديميين والسفراء السابقين.
وقد تمت الإشارة إلى ما يلى بصفةٍ خاصة:
-
لاحظ المتحدثون أن ترتيبات ما بعد انتهاء الحرب الباردة تُعَد مُسبِّباً رئيسياً لتلك الأزمة. وفى هذا السياق، تمت الإشارة إلى التعهدات الشفهية التى قطعها الغرب على نفسه بعدم تمدد حلف شمال الأطلنطى شرقاً، وذلك ارتباطاً بالمفاوضات التى جرت مع جورباتشوف آخر الزعماء السوفييت حول إعادة توحيد الألمانيتين، وتفكك منظومة حلف وارسو كحلف دفاعى يضم دول أوروبا الوسطى والشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتى المنهار، وتمسك الولايات المتحدة بالإبقاء على حلف شمال الأطلنطى وتوسيعه ليشمل العديد من بلدان أوروبا الوسطى والشرقية السابقة.
وفى هذا السياق تم التطرق إلى أنه فى عقد التسعينيات من القرن الماضى، ومع التراجع الكبير فى وضعية روسيا الاتحادية دولياً وتقهقرها الاقتصادى، وبالتالى قبولها لما عُرِض عليها من الدول الغربية على مضض، فقد نظر إليها الغرب على أنها قوة متراجعة لا تملك تغيير الأجندة الدولية التى فرضها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة. وفى هذا الصدد تمت الإشارة إلى الموجات الخمس لتمدد حلف شمال الأطلنطى حتى الآن، والتى حدث أربعٌ منها منذ تولى الرئيس بوتين السلطة فى روسيا.
-
وحول الأزمة الأوكرانية الجارية، أُشِير إلى أن أوكرانيا انتهكت مذكرة بودابست التى تم إقرارها فى عام 1994 والتى تنص على حياد أوكرانيا وضمنتها كلٌ من الولايات المتحدة وروسيا، وذلك بمحاولتها الانضمام إلى حلف الناتو. الأمر الذى أدى إلى ازدياد الهواجس الأمنية والاستراتيجية لدى روسيا إزاء تمدد حلف الناتو. ومن هنا كانت وجهة نظر روسيا أن أوكرانيا يجب أن تكون محايدة ومنزوعة السلاح. كذلك تم التأكيد على أن روسيا تتعامل مع أوكرانيا على أنها ليست الهدف النهائى من عمليتها العسكرية، وإنما كمدخل لمعالجة المنظومة الجيوستراتيجية والأمنية مع الغرب، فى ضوء ما ذُكِر أعلاه. خاصة وأن ملف أوكرانيا يأتى فى سياق سلسلة من الردود الروسية القوية والرادعة على دول الحلف، كان من بينها تدخل روسيا فى جورجيا عام 2008 ثم ضم القرم عام 2014، وذلك على خلفية تدخل الحلف فى كوسوفو عام 1999 على مرأى من، وعجز، القيادة السياسية الروسية؛ ذلك التدخل الذى يشكل الرؤية الروسية الحالية للقانون الدولى والعلاقة مع الناتو والولايات المتحدة، لاسيما وأنه أظهر أن هذه الأطراف لا تؤمن إلا بمنطق القوة، وهو ما أوضحته التطورات على أرض الواقع منذ ذلك الحين.
-
ارتباطاً بما تقدم، تناول المتحدثون سياسة الحكومة الأوكرانية الحالية إزاء الروس المقيمين شرقى أوكرانيا، وإعلان الرئيس الحالى فلودومير زيلينسكى عن أنه لن يتم الاعتراف سوى بالثقافة واللغة الأوكرانية فقط دون غيرها، متجاهلاً بذلك أيضاً حقوق المواطنين من ذوى الأصول المجرية والبولندية المقيمين فى البلاد.
-
تمَّ التطرق إلى مساعى روسيا لتنشيط علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية والصعوبات التى واجهتها فى هذا الشأن على مدى العقدين الماضيين، وصولاً إلى الإدارة الأمريكية الحالية، والتى شهدت العلاقات الأمريكية/ الروسية خلالها تدهوراً واضحاً، وامتد من نطاق العلاقات الثنائية ليشمل قضايا دولية ذات حساسية كبيرة بالنسبة للسلم والأمن الدوليين، وهى القضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجى، بما فى ذلك ضبط التسلح ووقف سباق التسلح النووى وإدارته، وقضايا الصحة وتغير المناخ، بجانب النزاعات الإقليمية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط.
-
وحول توقيت الأزمة وقيام موسكو بعمليتها العسكرية، التى وصفتها بأنها “خاصة”، تمَّت الإشارة إلى عدة اعتباراتٍ، منها تركيز الإدارة الأمريكية الحالية على الأجندة الداخلية، بما فى ذلك التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لوباء كوفيد – 19، ووضع مسألة التنافس الاستراتيجى مع الصين على رأس الأولويات الخارجية، كما تمَّت الإشارة أيضاً إلى حالة الانقسام الأوروبى ومسألة اعتماد عدد لا يُستهَان به من الدول الأعضاء على إمدادات الطاقة الروسية، هذا بجانب نظرة موسكو إلى بكين كشريك استراتيجى يسعى أيضاً إلى وضع نهاية لهيمنة القطب الواحد على النظام الدولى وإنشاء نظام متعدد الأقطاب. وفى هذا السياق، جاء الإعلان المشترك الذى صدر عن زعيمَى البلدَيْن فى 2 فبراير الماضى على هامش مشاركة الرئيس بوتين فى افتتاح دورة الألعاب الشتوية فى بكين، وهو الإعلان الذى وصف الصداقة بين روسيا والصين بأنها “لا حدود لها”.
-
وحول تداعيات العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، والتى انطلقت فى 24 فبراير الماضى، فقد تطرَّق النقاش إلى المستجدات التى طرأت على مواقف الدول الغربية، ومن ذلك ما لُوحِظ من حشد أوروبى كبير دعماً لأوكرانيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإنسانياً ، وهو متغير ربما لم يُقدِّر الجانب الروسى مداه. ويصدُق هذا التحليل أيضاً على موقف ألمانيا من الصراع، والذى انتقل من مرحلة الحيرة والتردد إلى، ليس فقط تجميد مشروع “نورد ستريم 2″، بل وتقديم الدعم العسكرى والإنسانى للنظام الأوكرانى، ورفع موازنة الدفاع لتصبح 2 % من إجمالى الناتج المحلى للبلاد، على نحو ما تنص عليه مقررات حلف شمال الأطلنطى. وقد وصفت روسيا هذا التحول فى الموقف الألمانى بأنه “مشين”.
وبإيجاز، فقد أدت العملية العسكرية الروسية إلى اصطفاف الاتحاد الأوروبى خلف الولايات المتحدة الأمريكية، ربما على خلاف ما توقعه الجانب الروسى الذى قدَّر أن الشقوق التى حدثت بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين إبَّان إدارة ترامب ثم الانسحاب الأمريكى من أفغانستان فى أغسطس الماضى فى عهد إدارة بايدن دون أى تشاور مع الجانب الأوروبى، ستُسهِّل كثيراً من مهمة روسيا فى أوكرانيا. وصحيحٌ أن دول الحلف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لن تحارب مع أوكرانيا؛ كونها دولة غير عضو فيه، إلا أن ما قدمته هذه الدول من دعم عسكرى لكييف حتى الآن من شأنه إدامة زمن الحرب. وقد تتطور الأمور إلى نوعٍ من الاستنزاف للقوات الروسية، خاصةً إذا ما أخذنا فى الاعتبار العقوبات غير المسبوقة التى فُرِضَت على روسيا.
-
ويُشار إلى أن الولايات المتحدة امتنعت عن التدخل العسكرى المباشر فى هذه الأزمة، وقدمت دعماً غير مباشر فيها من قبيل المعدات العسكرية الفتاكة والأموال و7 آلاف جندياً تم نشرهم فى عدد من بلدان الحلف فى أوروبا الشرقية، وكذا تعزيز العقوبات الاقتصادية على روسيا مثل تجميد أرصدة بعض الشخصيات والبنوك الروسية، وعزلها عن منظومة “SWIFT” المالية، وحظر التكنولوجيا ذات الاستخدام العسكرى، فضلاً عن الحشد الإعلامى والتكنولوجى الهائل ضد روسيا… إلخ.
وقد أشار المشاركون إلى أن مكاسب الولايات المتحدة من هذه الحرب قد تكون فى إحياء حلف الناتو وتعزيزه، وتخفيف العبء المالى عن كاهلها داخل الحلف، عبر ما قامت به عدة بلدان أوروبية مثل ألمانيا بتخصيص نسبة اعتمادات لا يُستهان بها من ميزانيتها القومية لصالح الدفاع. بيد أن الأزمة دلَّت أيضاً على أن قضية الأمن الأوروبى تمثل جبهة إضافية على جبهات المواجهة الأمريكية الخارجية مع الصين. وقد تم التأكيد على أن نفوذ الولايات المتحدة قد بدأ فعلاً بالتراجع، عند النظر إلى أن مندوبتها الدائمة بمجلس الأمن قرأت بياناً أدانت فيه السلوك الروسى أمام المجلس فى 24 فبراير الماضى، مشيرة إلى أنها قد نجحت فى جمع توقيع 50 دولة لتأييد الإدانة الأمريكية، وهو ما يقارب فقط ربع أعضاء الأمم المتحدة.
-
وفيما يتعلق بتداعيات ما يجرى فى أوكرانيا على المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً، فلا يخفى أن جميع دول المنطقة تتابع باهتمامٍ بالغ تطورات الأزمة والخطوات التى تتخذها كلٌ من واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون إزاء الخطوة الروسية والتفاعل بين القوتين بشأن أوكرانيا. إذ إن لها تأثيرات سلبية ضخمة على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار البترول وبعض المعادن، والضغوط التى سيفرضها الوجود العسكرى فى أوكرانيا على إنتاج هذه الدولة من الغذاء والإنتاج الزراعى، حيث عُرِفَت تاريخياً بأنها سلة غذاء أوروبا؛ وفى مقدمتها القمح والذرة والمحاصيل الزيتية (خاصة عباد الشمس والصويا). كذلك تم تناول الآثار على إمدادات أوروبا من الغاز الطبيعى التى تعتمد بنسبة 40 % على الصادرات الروسية. ومن المنظور السياسى، من الواضح أن المجتمع الدولى مُقبِلٌ على حالة من الاستقطاب الحاد فى ضوء ما تبذله الولايات المتحدة من جهود حثيثة، مُستخدِمَةً قوتها الاقتصادية والمالية الهائلة؛ لحشد أكبر عددٍ ممكن من الحلفاء والشركاء لعزل روسيا والإضرار باقتصادها، فى إطار ما يمكن تسميته بـ “الدبلوماسية القسرية”.
وفى هذا السياق، أُشِير إلى التقديرات الأولية لبعض مراكز البحوث الاقتصادية والاجتماعية الغربية، ومنها:
-
أن الارتفاع فى أسعار الغاز الطبيعى والنفط الناتج عن نقص المعروض قد يتسبب فى تعويض روسيا جزئياً عن الخسائر المحققة نتيجة لفرض العقوبات الاقتصادية، وإن كانت المحصلة النهائية ستكون سلبية على الاقتصاد الروسى، والمتوقع أن ينكمش ناتجها المحلى الإجمالى بنسبة 1.5 % هذا العام، وبأكثر من 2.5 % بنهاية عام 2023. أما عن معدلات التضخم فى روسيا، فيتوقع أن تزيد 20 % خلال العام الجارى.
-
سوف تؤدى الحرب إلى المزيد من الضغوط المفروضة على البنوك المركزية حول العالم؛ إذ تتسبب فى رفع معدلات التضخم، وإضعاف معدلات النمو وثقة المستهلك ومجتمع الأعمال فى ذات الوقت، وهى الآثار السلبية التى خلفتها جائحة كورونا، وما زال العالم يعانى منها حتى الآن.
-
تمَّت الإشارة إلى الجهود الأمريكية المكثفة مع بعض دول المنطقة مثل الجزائر وقطر والسعودية والإمارات بهدف سد النقص المحتمل بسبب العقوبات، بينما أشار البعض الآخر إلى ما قد توفره الحرب من فرص لإيران لإنعاش صادراتها من النفط والغاز فى حالة رفع العقوبات عنها بموجب الاتفاق النووى الجديد المحتمل التوصل إليه فى مفاوضات فيينا.
-
أشار المشاركون إلى تداعيات الحرب على الأمن الغذائى فى مصر، فى ضوء وارداتها الكبيرة من الحبوب من البلدين المتصارعين. وفى هذا الصدد، تمت الإشارة إلى جهود الحكومة المصرية للتخفيف من آثار ذلك، بما فيها استيراد نحو 600 ألف طن من القمح فى ديسمبر الماضى، وإنشاء خلية أزمة بمجلس الوزراء لمتابعة التطورات أولاً بأول.
-
لم يشأ المشاركون تجاهل التأكيد على مدى ما وصل إليه النظام الدولى الراهن من نفاقٍ وازدواجية، خاصةً الموقف من العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا. هذا الحشد الغربى الهائل لإدانتها، والموقف المخزى والمشين لمجموعة الدول التى تقود هذا الحشد، بينما لا يجرؤ أىٌ منها على مجرد انتقاد ممارسات إسرائيل كآخر دولة احتلال واستعمار استيطانى فى القرن الحادى والعشرين، وكشفت الأزمة أيضاً عن عورات مزمنة فى سلوك وفكر النخبة السياسية فى أوروبا، والتى لم تختلف ممارساتها كثيراً عن تلك التى كانت فى عصور الاستعمار؛ حيث تجسَّد ذلك بوضوح فى المعاملات التمييزية الصارخة التى كان ضحيتها الأفارقة وغيرهم من الأجانب غير الأوروبيين الذين حاولوا الهرب من العمليات العسكرية فى أوكرانيا إلى دول الجوار المباشر فى الاتحاد الأوروبى، والتى لم يُسمَح لهم بعبور الحدود الأوكرانية التى شُرِّعَت فقط للأوكرانيين البيض.
-
باتت الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات؛ حيث تبدو روسيا مُصمِّمةً على تحقيق أهدافها من عمليتها العسكرية، والتى حددتها بحماية أمنها القومى، بما فى ذلك حقوق الأقليات الروسية فى أوكرانيا، وضمان حياد هذه الأخيرة ونزع سلاحها، بينما تبدو الولايات المتحدة، وحلفاؤها، مُصمِّمة على محاصرة روسيا بسلاح العقوبات وتقديم الدعم العسكرى والإنسانى لأوكرانيا، الأمر الذى يُنذِر باستمرار الحرب بكل تداعياتها الاقتصادية والسياسية والأمنية. وقد رجَّح بعض المشاركين أنه يمكن تصنيفها فى إطار الأزمات الممتدة “Protracted conflicts”، نظراً لتشابك المتغيرات الروسية/ الأوكرانية من جهة، والروسية/ الغربية من جهة أخرى.
-
فى سياق ما تقدَّم، خلص المشاركون إلى أنه أمام حالة الاستقطاب التى فرضت نفسها مع تفاقم الصراع، فإنه من الضرورى أن تقود مصر موقفاً عربياً موحداً تجاه الأزمة، يتجنب الانحياز لطرفٍ بعينه قدر الإمكان. وفى هذا السياق، أشاد المشاركون بعناصر البيان الصادر عن الاجتماع الطارىء لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، والذى عُقِد فى 28 فبراير الماضى بدعوة من مصر، والذى أكد على أهمية حل الأزمة عبر “الحوار والدبلوماسية”، واحترام مبادئ القانون الدولى، مع تشكيل مجموعة اتصال عربيّة على المستوى الوزارى تتولى متابعة وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنيّة بهدف المساهمة فى إيجاد حل دبلوماسى للأزمة.