زيارة السيد/ روسلان نيتشاى القائم بأعمال سفارة أوكرانيا بالقاهرة
أبريل 26, 2022مشاركة السفير هشام الزميتي أمين عام المجلس في ندوة افتراضية نظمها المعهد الصيني للدراسات المالية ببكين بعنوان: ” السعي من اجل السلام والتنمية”
مايو 6, 2022
بتاريخ 26 أبريل 2022، عقد المجلس، ونظيره الروسى للشئون الدولية (RIAC)، ورشة عمل افتراضية مشتركة حول “الأوضاع فى سوريا” (مرفق الأجندة)، ارتباطاً بما يجرى فى أوكرانيا، وذلك بالتركيز على آفاق التسوية السياسية للأزمة السورية، والوضع الإنسانى المنوط بها. وقد افتتحها وشارك فيها كلٌ من السفير د./ عزت سعد والسيد/ Andrey Kortunov ، مديرا المجلسَين المصرى والروسى على التوالى، إلى جانب كلٍ من السفيرَين د./ علاء الحديدى، ود./ محمد بدر الدين زايد، من الجانب المصرى، ومن الجانب الروسى/ Igor Matveev و Boris Dolgov الباحثَين بمعهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم، وVasily Kuznetsov رئيس مركز الدراسات العربية والإسلامية بمعهد الدراسات الشرقية، وIvan Bocharov الباحث بالمجلس الروسى للشئون العالمية، وغيرهم.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفةٍ خاصة:
أولاً: بشأن الموقف المصرى من الأزمة، أشار السفير/ سعد إلى أنه منذ اندلاع الثورة السورية فى عام 2011، استند هذا الموقف على ركيزتين: الأولى: الرفض التام لسقوط الدولة السورية فى أيدى التطرف والإرهاب، والثانية: دعم التطلعات المشروعة للشعب السورى لبناء مستقبل أفضل. وعليه، أيَّدت مصر التسوية السياسية للأزمة وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، على أساس الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها وسيادتها، ووضع حد لجميع أشكال التدخلات الخارجية في شئونها، وذلك لتوفير بيئة مناسبة لعودة اللاجئين والنازحين داخلياً إلى ديارهم وفق معايير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين. وأضاف مدير المجلس:
-
فى سياقٍ متصل، حاولت مصر أيضاً تحييد القضية السورية، والتأكيد على ضرورة إبعادها عن المنافسة الدولية وغيرها من الصراعات، بما يؤدى إلى حل سياسى. كما أكدت القاهرة أهمية، بل وأولوية، محاربة التنظيمات الإرهابية الموجودة في سوريا، والمدرجة في قائمة الإرهاب الدولى، دون أي استثناء، وحث الجهود لقطع مصادر تمويلها وعدم السماح لعناصرها بالانتقال بحرية من دولة إلى أخرى، بالتوازى مع محاسبة مَن يرعون الإرهاب. وفي هذا الصدد، يساور القاهرة القلق من التطورات الأخيرة التي حدثت في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، على أيدى تنظيم داعش الذى يسعى لإعادة تأكيد وجوده مرةً ثانية فى سوريا، بما يتطلَّبه ذلك من ضرورة تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في تلك الأراضى.
-
من جهةٍ أخرى، حاولت مصر تقريب وجهات النظر فيما بين الفصائل والقوى السورية، بغية إيجاد أرضية مشتركة تسهم فى حل الأزمة سلمياً. وفي هذا الصدد، حثَّت الحكومة المصرية نظيرتها السورية على ضرورة التجاوب مع جهود التسوية التي تبذلها الأمم المتحدة، وإبداء المرونة تجاه مبادرات التسوية، لا سيما تجاه مجموعات المعارضة المعتدلة التي تؤمن بالسيادة السورية وسلامة أراضيها، مع نبذ الحل العسكرى للأزمة والحد من تدخل القوى الخارجية فيها، بما يساعد على تخفيف الضغط الإقليمى والدولى على سوريا، وبما يُيسِّر عودتها إلى وضعها الطبيعى إقليمياً ودولياً، ويمهد لعودة النازحين واللاجئين السوريين وإعادة إعمار بلادهم وتنميتها.
-
تدعم مصر كذلك كل الجهود المخلصة التى من شأنها تخفيف المعاناة الإنسانية للأشقاء فى سوريا، لاسيما فى ظل استمرار الأزمة، وأنها تستضيف ما يقرب من 140 ألف لاجئاً سورياً، يتمتعون بذات الحقوق والمزايا التى يتمتع بها أقرانهم المصريون. كما تم التأكيد على تطلع مصر إلى موافقة مجلس الأمن على تجديد القرار رقم 2585 الخاص بوصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود، والذى من المقرر انتهاؤه فى 10 يوليو 2022. وفى هذا السياق، تعوِّل مصر كثيراً على مؤتمر المانحين الرابع المزمع عقده فى بروكسل فى 10 مايو القادم، ارتباطاً بذلك، كما تعقد الكثير من الآمال على اجتماع مجموعة الاتصال بشأن سوريا، والمرتقب انعقاده فى باريس خلال الأسبوع الجارى، والذى من شأنه معالجة قضايا رئيسية، أبرزها بحث السبل الممكنة لتحريك العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة؛ وكذا سبل عزل الأزمة السورية عن التنافس الدولى، خاصة ارتباطاً بما يجرى فى أوكرانيا؛ وبحث أجندة مؤتمر المانحين المُشار إليه، وحشد التمويل اللازم لإعادة إعمار سوريا.
ثانياً: من جانبه، ركَّز السيد/ Igor Matveev على تداعيات تحولات المشهد الإقليمى والدولى، وكذا الأزمة الأوكرانية على ديناميكيات الصراع فى سوريا، موضحاً أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووى، فسيكون لذلك تداعياته الإيجابية على سوريا اقتصادياً، فيما سينشأ عنه نوع من المراوحة بين التعاون والتنافس بين إيران وروسيا فى سوريا، ولكن إذا لم يحدث ذلك، فمن المرجح أن تتصاعد المواجهات بين إيران وإسرائيل فى الأراضى السورية. من جهةٍ أخرى، فإن من شأن إتمام الاتفاق كذلك تعزيز قدرة طهران على المساومة بنشاط وفاعلية لتعزيز مصالحها، سواء فى علاقها مع العراق، وكذا بشأن مستقبل لبنان، والعكس صحيح. على صعيدٍ آخر، يُرجَّح أن يترتب على تصعيد العقوبات الغربية ضد روسيا، بالتوازى مع عدم إبرام الاتفاق النووى، تقاربٌ فيما بين موسكو وطهران للتخفيف من حدة تلك العقوبات ضدهما، مع اعتماد روسى على إيران فى سوريا، بما يتضمنه ذلك من تعزيز للمواقف والتعاون فيها. هذا، وبشأن العلاقات الروسية – التركية فى سوريا، فإنها مرتبطة إلى حدٍ كبير بتطورات الأوضاع الجارية فى أوكرانيا؛ إذ لو كانت التطورات تشير إلى تقارب تركى تجاه الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، فسوف يُسفِر ذلك عن تعقد التفاهمات الروسية – التركية فى سوريا، مع تصعيد الوضع فى إدلب وفى شمال سوريا، الواقع بالفعل تحت سيطرة تركيا، والعكس صحيح؛ إذ سيتعزز التعاون بينهما اقتصادياً، بالتوازى مع توثيق التفاهمات داخل سوريا.
-
هذا، وفيما يتعلق برؤية روسيا لإسرائيل، فعلى منوال ما ذُكِر؛ إذا شهدت العلاقات الإسرائيلية – الأوكرانية مزيداً من التعاون لصالح دعم الموقف الأوكرانى، فسينعكس ذلك سلباً على التفاهمات الروسية – الإسرائيلية بشأن سوريا، بما فى ذلك زيادة الدعم الروسى لأنظمة الدفاع السورية ضد إسرائيل. وأخيراً، وبشأن البلدان الخليجية، فإنه من المرجح تعزيز التعاون الروسى مع تلك البلدان بشأن سوريا، والمساهمة فى عمليات إعادة إعمار الأخيرة، وذلك على خلفية تقارب تلك البلدان الواضح من روسيا فى الأزمة الأوكرانية، وكذا فى ظل الانفتاح الخليجى على النظام السورى، والتى من أبرز مظاهره استقبال الإمارات للرئيس بشار الأسد فى مارس الماضى.
ثالثاً: من جانبه، أوضح السفير د./ علاء الحديدى، الذى تناول الوضع الدولى من منظور القاهرة، أن هناك عدة سيناريوهات مطروحة، ارتباطاً بما يجرى في أوكرانيا حاليا:
-
انتهاء الحرب في أوكرانيا في فترة زمنية قصيرة، وبالتحديد مع ذكرى انتصار روسيا على القوات النازية في الحرب العالمية الثانية، والذي يوافق يوم ٩ مايو المقبل. وبغض النظر عن كيفية انتهاء هذه الحرب، فإنه سيترتب عليه ظهور وضع دولي منقسم بين معسكرين عالميين، أحدهما يدعم روسيا والآخر تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وبينهما حرب باردة على غرار ما كان سائداً من قبل. وبالتالي فإن الصراع في أوكرانيا ليس هو العامل الرئيسي المؤثر فيما سيحدث في سوريا، بل طبيعة هذا النظام الدولي المنبثق عن ذلك الصراع.
-
استمرار الحرب لفترة طويلة قادمة قد تمتد لعدة شهور أو أكثر، نظرا لاعتقاد البعض بأن الولايات المتحدة وحلفائها يسعون إلى إطالة أمد هذه الحرب وتحويلها إلى مستنقع يستنزف روسيا على غرار ما حدث في أفغانستان من قبل. وهو ما سيؤدي إلى مزيد من التصعيد في أوكرانيا، مع ما لذلك من تداعيات على الأزمة السورية، ارتباطاً بمواقف القوى الدولية والإقليمية المنخرطة، بشكلٍ أو بآخر، فى النزاعين الأوكراني والسوري. ولا ريب ان هذا السيناريو يجعل من الصعب الحديث عن أية تسوية سياسية للازمة السورية، والتي من المرجح ان تتحول في سياق ذلك الإطار إلى أزمة ممتدة.
-
اتساع رقعة النزاع في أوكرانيا لتشمل دول أخرى، وعدم اقتصار الحرب على كلٍ من روسيا واوكرانيا فقط، بل وانضمام دول أخرى وخاصة في الجوار المباشر مثل مولدوفا أو بولندا، سواء تم ذلك عن عمد أو نتيجة خطأ ما يقع فيه أحد الأطراف دون قصد يؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل الانتقامية. وهذا من شأنه ترجيح حدوث السيناريو السابق.
-
التوصل إلى حل سياسي ما للأزمة الأوكرانية بعد إدراك كلا الطرفين صعوبة تحقيق نصر عسكري حاسم على الطرف المناوئ، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الوضع في سوريا.
-
من جهةٍ أخرى، تناول السفير/ الحديدي مواقف بعض الفاعلين الدوليين تجاه ما يحدث في سوريا، وذلك على النحو التالي:
-
الصين: أشار إلى أنه رغم عدم ظهورها الواضح في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن لها مصالح كبيرة في المنطقة، ليس أقلها تأمين احتياجاتها من مصادر الطاقة، كما أن لها علاقات متميزة مع روسيا، والتي ظهرت بجلاء على خلفية البيان الروسي الصيني المشترك في ٤ فبراير 2022 وقبل التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا. هذا بالإضافة إلى توافق البلدين حول ضرورة إصلاح النظام الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
-
دول الخليج العربي: والتي تعيد النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، عبر تبنِّى بعض القرارات الاستراتيجية المستقلة عن واشنطن، وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والعمل على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران وغيرهما، وبما يستتبعه ذلك من تغيير فى مواقف تلك البلدان من الأزمة السورية، وانفتاحها بالتالي على النظام السوري.
-
إيران: يرتبط موقفها في سوريا بمدى الحماس الأمريكي لإتمام الاتفاق النووي من جديد، والأثر الإيجابي المنتظر لذلك من رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، وكذا زيادة ضخ النفط الإيراني في السوق العالمية. وخاصة في ظل تردد البلدان الخليجية في الاستجابة للطلب الأمريكي بشأن زيادة إنتاجها من النفط. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه كلما ابتعدت دول الخليج في مواقفها من الولايات المتحدة، كلما سارعت الأخيرة لإتمام الاتفاق مع إيران، والعكس صحيح.
-
تركيا: يمكن القول أن أوضاعها الداخلية، واعتزامها إجراء انتخابات رئاسية في العام القادم، وحسابات أردوغان على الصعيد الداخلي، كلها أمور ستؤثر بشدة على مواقف أنقرة القادمة إزاء حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي أو واشنطن، وتجاه ما يحدث في أوكرانيا وفي سوريا.
-
إسرائيل: لا شك أن العلاقات المتنامية بين إسرائيل والبلدان الخليجية من شأنها التأثير على التفاعلات داخل سوريا، وفى سياق التفاعلات الدولية الجارية بشأن أوكرانيا وفيما بين روسيا والولايات المتحدة.
رابعاً: من جانبه، أشار السيد/ Boris Dolgov إلى أن الأسباب الرئيسية للأزمة السورية مصدرها عوامل خارجية، بفعل قوى دولية وإقليمية، ولعل فى صميم ذلك التنظيمات الإرهابية مثل داعش، التى تحاول بعض القوى تجنيدها وإعادة إحيائها فى سوريا، وكذا فى بعض بلدان الاتحاد السوفييتى السابق مثل أفغانستان وغيرها، وذات الأمر ملموس حالياً جرَّاء استخدام الغرب لأوكرانيا كسلاح ضد روسيا، حيث يتم استغلال العديد من الإرهابيين السوريين لتنفيذ عمليات عسكرية فى أوكرانيا ضد روسيا. ولعلَّ بالإمكان هنا التأكيد على أهمية الأزمة الاقتصادية التى تعانيها سوريا حالياً، والتى مهَّدت لاستغلال حاجة هؤلاء السوريين لسبل المعيشة، والتى يجب إيلائها الاهتمام اللازم لأجل مناهضة تمدد التنظيمات الإرهابية وعناصرها. من جهة أخرى، فإن احتلال بعض القوى الأجنبية لأراضٍ سورية، مثل تركيا فى إدلب، وكذا الولايات المتحدة، كلها من شأنها تعقيد الأزمة السورية والحد من فرص التوصل إلى تسوية سلمية بشأنها.
خامساً: من جانبه، أشار السفير د./ محمد بدر الدين زايد إلى أنه من الضرورى النظر للأزمة السورية ومساراتها المعقدة قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية وبدء تداعياتها، حيث يمكن وصفها بأنه كان ينازعها مساران: أولهما إيجابى يصب فى اتجاه التسويات وتجاوز معاناة الشعب السورى، والثانى سلبى يعرقل هذه الفرص. وفيما بتعلق بالمسار الإيجابى، يمكن رصد عدة عوامل أبرزها بوادر انفتاح تدريجى بين الحكومة السورية وعدد من الأطراف العربية، على رأسها الإمارات التى وصلت الى حد استقبال الرئيس السورى بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، وكذا تواتر اتصالات مع عدد آخر من دول الخليج بما فيها السعودية، والامر الثانى مظاهر لإعادة سوريا الى المنظومة الاقتصادية الإقليمية، ويُذكر فى هذا الصدد مشروع نقل الغاز المصرى الى لبنان عن طريق الأردن وسوريا، والبعد الثالث تزايد تأثير الوضع القائم للانتصار النسبى للنظام السورى فى تأكيد مشروعيته القانونية. وأضاف السفير/ زايد:
-
أما المظاهر السلبية، فيتقدمها رسوخ وضع قائم للاحتلال التركى لمناطق شاسعة فى الشمال الغربى للبلاد وحتى محافظة إدلب، وأوضاع مماثلة لتواجد عسكرى غربى أمريكى فى الحزام الحدودى السورى الكردى الملاصق لتركيا. والأخطر ترسخ سلطات سياسية غير سلطة الحكومة السورية. ففى إدلب والشريط الحدودى الشمال شرقى رسخت سلطة سياسية تابعة لجبهة النصرة أقدامها، بل وأجبرت المنظمات الدولية الإنسانية على قبول التعامل معها وسمت نفسها حكومة الإنقاذ، وهو أمر مشابهه لوضعية التنظيم الكردى – حركة سوريا الديمقراطية فى مناطق تواجد القوات الأمريكية والغربية رغم محدودية عددها. ومن ناحية أخرى، أدى استمرار الحرب والعقوبات الى تعقد الأوضاع الاقتصادية ونسب الفقر الى مستويات قياسية. ومن أخطر المظاهر السلبية العودة التدريجية لتنظيمات وميلشيات تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة ونجاحها فى فرض سيطرتها على مناطق بالصحراء السورية الوسطى، وتعثر عمليات الإعمار والمساعدات الإنسانية.
-
جاءت التطورات الأوكرانية فى ظل حالة التدهور الملحوظ هذه فى الأزمة السورية لتزيد الأمور تعقيدا، وبالتقدير انه بصرف النظر عن سيناريوهات أنهاء الازمة الأوكرانية المتعددة ،فان تطبيق هذا بالنسبة لسوريا ينحصر فى تصورين كبيرين تضم الكثير من التفاصيل والتعقيدات، أولهما سيناريو خروج روسيا محققة لكثير من أهدافها، هنا سيختلف الأمر من الآثار قصيرة الأجل وتلك طويلة الأجل، ففى المراحل الأولى قد تحاول واشنطن والقوى الغربية تعويض خسائرها فى الساحة السورية، ولكن سيكون هذا تأثيراً مؤقتاُ، وعلى الأرجح ستتم مزيد من خطوات عودة سوريا لمحيطها الإقليمى والعربى، وربما خطوات تدريجية نحو تسويات نهائية. أما السيناريو الثانى الخاص بتحقيق الغرب لمصالحه فى المواجهة مع روسيا، فقد يصل تدهور الأوضاع فى سوريا الى حد عودة التصعيد العسكرى بمستويات مرتفعة من الصعب تقدير نتائجها بعد. مع الأخذ فى الاعتبار وجود عوامل أخرى قد تؤثر فى المشهد السورى ارتباطاً بصراعات أطرافه الإقليميين وخاصة إيران وتركيا، وبدرجة أقل إسرائيل، وكذا الأطراف العربية.
-
من جهةٍ أخرى، وفيما يتعلق بالأبعاد الإنسانية فى الأزمة السورية، أشار السفير/ زايد إلى أن هناك معالم تدهور شديد فى أوضاع الأزمة السورية بشكل سابق على الصراع فى أوكرانيا، سواء فى قضية اللاجئين والنزوح السورى أو إعادة الأعمار. وفى الأولى، يأتى مرور سنوات على تحمل الأردن ومناطقه الفقيرة لهذه الأعداد الكبيرة سبباً إضافياً لتراجع مستويات المعيشة ومعدلات البطالة لدى النازحين، وكذا قطاعات من الشعب الأردنى، مع زيادة الضغوط على مرافق الدولة من تعليم وصحة ومياه وكهرباء، ليسبب هذا مزيداً من تدهور أحوال الطرفين سواء المجتمع المستقبِل أو اللاجئين. وهو ما ينطبق بدرجة على لبنان التى تعانى أوضاعاً اقتصادية لا تقل صعوبة مع حالة إفلاس الدولة وانهيارها السياسى والاقتصادى. وفى تركيا، بدأ أردوغان، الذى أجاد توظيف هذه الورقة لابتزاز الغرب والحصول على مكاسب اقتصادية، يُعِد الأمر لإمكانية عودتهم الى بلادهم. كما أن جهود إعادة الإعمار كانت مصطدمة بعدم تبلور عملية تسوية سياسية تسمح بنقاش أو بطروحات جادة حول إعادة الإعمار. وفى ظل هذه الخلفية المتدهورة جاءت الأزمة الأوكرانية لتضيف مزيداً من التدهور بعد الغموض الأكبر على العملية السياسية، ما يجعل من الممكن توقع مزيداً من تدهور أوضاع اللاجئين السوريين وتراجع فرص إعادة الإعمار مع تراجع فرص العملية السياسية، على الأقل فى الأجل القصير.
سادساً: من جانبه، أشار السيد/ Vasily Kuznetsov إلى أن الوضع الإنسانى فى سوريا مرتبط بشدة بنظيره الموجود بلبنان، حيث نقص موارد الغذاء والطاقة وارتفاع الأسعار… إلخ. وهذا الوضع المعقد مرتبط بشكل أو بآخر بالأزمة الأوكرانية التى أثرت بشدة على إمدادات القمح الاوكرانية إلى لبنان، والتى قد تتصاعد احداثها فى سلسلة من الحروب التى لا يُعرف مداها، والتى من شأنها بالتالى التأثير على كلٍ من الوضع الإنسانى فى سوريا والتسوية السلمية التى يُؤمَل تحقيقها فيها. فى سياقٍ متصل، يمكن القول بأن للهند، وليس الصين، دور كبير فى سوريا، ارتباطاً بتلك الأزمة الإنسانية. من جهةٍ أخرى، فإنه يُعتقَد أن موقف اللاجئين فى تركيا يُعد أفضل من نظيره فى لبنان، وأن أردوغان لا يحاول المساومة بورقة اللاجئين السوريين، بقدر رغبته فى إعادتهم بصفة دائمة إلى بلدهم الأم.
سابعاً: وقد أشار السيد/ Andrey Kortunov، مدير عام المجلس الروسى، فى نقاطٍ ختامية، إلى أن الازمة الاوكرانية تمثل بالطبع تحدياً كبيراً على طريق التسوية السياسية فى الازمة السورية، نظراً لتشابك الفاعلين وتعقد مواقفهم، والتى من المرجح تحولها إلى ازمة عالمية بين الشرق والغرب، بما لذلك من تداعيات على الوضع السورى بلا ريب. كما أكَّد توافق المشاركين على الحل السلمى للأزمة فى إطار جهود الأمم المتحدة، والتمسك بالقرار رقم 2254، وخروج القوات الأجنبية كافة من الأراضى السورية، وكذا ضرورة ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
-
وأضاف أن هناك سيناريوهات ثلاثة للأزمة الأوكرانية: الأول: هو إعادة الأمور إلى نصابها على كافة الأصعدة، وهذا بالتأكيد صعب الحدوث فى سياق التطورات الجارية، الثانى: إصلاح النظام الدولى، وإشراك المزيد من القوى مثل الصين والهند للعمل بفاعلية فى الساحة الدولية، بما يجعلنا بالفعل أمام عالم متعدد الأقطاب، بما لذلك تأثيراته على القضايا الدولية، وقضايا منطقة الشرق الأوسط. الثالث: فيما يتعلق بسوريا، ذكر أننا سنشهد نوعاً من الاعتماد الروسى على إيران، سواء تم توقيع الاتفاق النووى من عدمه، وإنْ كان توقيع الاتفاق سيزيد نشاط إسرائيل فى سوريا ضد الأهداف الإيرانية. أمَّا بالنسبة لتركيا، فقد ذكر مدير المجلس الروسى أن حدوث تقدم فى علاقات أنقرة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى سوف يُزِيد من اعتماد روسيا على تركيا فى سوريا والعكس.
أخيراً: وفى سياق ملاحظاته الختامية، أشار السفير/ عزت سعد إلى ما يلى:
-
أن هناك توافقاً فى الآراء حول حقيقة أن نتائج ما يجرى فى أوكرانيا له تأثير كبير على آفاق التسوية فى سوريا.
-
وبالمثل، فإن فرص إنجاز الصفقة النووية الإيرانية سيكون لها تأثير أيضاً، بما فى ذلك خارج سوريا، كلبنان والعراق وإسرائيل، والمناطق التى يوجد لإيران وكلاء فيها.
-
أنه بالرغم من التحولات الجارية فى مواقف دول الخليج، خاصة الإمارات العربية المتحدة، تجاه تركيا وإيران والولايات المتحدة، إلا أنه لا يجب التعويل على ذلك كعامل حاسم فى تغيير المعادلات الحالية، خاصةً بشأن سوريا. وبالمثل، لا يجب أن يكون لدى هذه الدول أوهام فى ان يكون الرئيس الأسد قادراً على تقويض النفوذ الإيرانى فى سوريا.