
لقاء مع د. عبد الحميد ممدوح المدير السابق بالمنظمة العالمية للتجارة و الأستاذ الزائر بجامعة لندن
يناير 10, 2024
زيارة وزير استثمار دولة جنوب السودان للمجلس
يناير 16, 2024بتاريخ 16 يناير 2024، عقد المجلس ندوة حول “تحديات الموارد المائية والغذاء فى مصر وسبل التعامل معها”، تحدث فيها أ.د./ نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والأراضى بجامعة القاهرة. وافتتح اللقاء السفير د./ عزت سعد مدير المجلس، وشارك فيها السفراء/ رخا حسن، يوسف زاده، منى عمر، على الحفنى، وفاء بسيم، عادل السالوسى، محمد منير، فاروق مبروك، محمد العشماوى، عبد المنعم عمر، أيمن مشرفة، ود./ صادق عبد العال، د./ ماجدة القاضى، والمستشار د./ حازم جاد، بجانب عدد من الباحثين المعنيين بقضايا المياه.
وقد تناول اللقاء ما يلى بصفة خاصة:
- أشار د./ نور الدين إلى العلاقة الترابطية المهمة للغاية فيما بين كلٍ من الموارد المائية وأمن الغذاء، ومن ثم الأمن القومى لأى دولة. مشيرًا إلى ان حجم الموارد المائية الإجمالية لدى مصر يبلغ 62 مليار م3، مقسمة على مياه النيل (55.5 مليار) والمياه الجوفية (5.5 مليار)، ومياه أمطار يمكن الاستفادة منها (1.3 مليار). مضيفًا أن هذا الحجم لا يكفى لتلبية الاحتياجات المختلفة من المياه داخل البلاد، حيث من المفروض أن يكون حجم تلك الموراد 105 مليار م3، لتجاوز خط الفقر المائى المعروف عالميًا، والذى يُقدَّر بـ 1000 م3 من المياه للفرد سنويًا. ومن ثمَّ، فإن هناك فجوة مائية عميقة مقدارها 43 مليار م3 سنويًا. وعليه، سعت الدولة إلى فتح آفاق جديدة فى محاولة لتدبير هذا العجز المائى. وعلى سبيل المثال تُجرَى عملية إعادة معالجة مياه المخلفات، بما يوفر 20 مليار م3 سنويًا، وبما يرفع نصيب المواطن المصرى من المياه سنويًا من 600 م3 إلى 800 م3، ولكن لا تزال هناك فجوة مائية عميقة، مع عدم وجود 23 مليار م3 من المياه لا بد من تدبيرها. لاسيَّما وأنه مع وجود الاعتقاد بأن الفجوة المائية فى مصر لا تزال تحت السيطرة، إلا أنها لا تزال مؤثرة ارتباطًا بضمان الأمن الغذائى فى البلاد.
- من جهةٍ أخرى، أشار د./ نور الدين إلى أن 65 % تقريبًا من الاحتياجات الأساسية للمصريين من الغذاء يتم استيرادها من الخارج، حيث يتم استيراد نحو 12 مليون طن قمح، وتقريبًا كافة أنواع زيوت الطعام، و80 % من الفول، و60 % من اللحوم الحمراء، ومن 50 إلى 60 % من اللبن البودرة، كما تأتى مصر فى المرتبة الرابعة عالميًا فى استيراد الذرة الصفراء الخاصة بالأعلاف، والمتحكمة فى أسعار الدواجن والبيض، بإجمالى 12 مليون طن كذلك (تقريبًا 70 % من احتياجات مصر منها)، وذلك على الرغم من أن مصر كانت واحدة من البلدان الرئيسية فى تصدير الذرة الصفراء حتى سبعينيات القرن الماضى، إلا أن ذلك الوضع قد تغير مع عدم وجود تمويل كافٍ للأبحاث والمشروعات الزراعية، وارتفاع إيجار الأراضى المزروعة، ما جعل المزارعين يلجأون إلى المحاصيل ذات العائد المادى الأكبر بشكلٍ أساسى، دون التقيد بالدورات الزراعية المُقرَّرة من قِبَل الدولة، والتى تستهدف من بين أمور أخرى تحقيق الاكتفاء الذاتى أو على الأقل الاقتراب منه فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية للدولة. ومن ثمَّ، فإن هذا النهج من قِبَل المزارعين يخلق نوعًا من التبعية الاقتصادية للدولة فى السلع الاستراتيجية، بمعنى اعتمادها فى تأمين هذه السلع على الدول الأخرى، وهو ما لا يمكن ضمانه فى ظل الاضطرابات السياسية والتوترات الجيوسياسية على الساحة الدولية. ولعلَّ الأزمة الأوكرانية وما ارتبط بها من تداعيات على الأمن الغذائى فى كثيرٍ من بلدان العالم هى أكبر دليل على ذلك. هذا فضلاً عن تحكم بعض البلدان المصدِّرة ذاتها فى البلدان المستورِدة، ومحاولة إخضاعها لشروطٍ معينة، تحقيقًا لمصالحها الخاصة. كل ذلك بالإضافة إلى التغيرات المناخية وحرائق الغابات التى من شأنها التأثير كذلك على المزروعات فى البلدان المُصدِّرة.
- فى السياق عاليه، ثمَّن د./ نور الدين مشروع تبطين الترع الذى بدأت الدولة فى تنفيذه بحسم، بالتعاون مع البنك الدولى والمنظمة العالمية للأغذية والزراعة (الفاو)، خاصة وأن التربة الطينية بمصر مسامية وتبلغ نسبة فقد المياه فيها نحو 30 %، كما أن ذلك يحد من حجم الفقد الإجمالى فى مياه النيل القادمة من السد العالى، حيث تبلغ قيمة الفقد من السد وحتى منطقة الدلتا نحو 19 مليار م3. كما ثمَّن مشروع معالجة مياه صرف بحر البقر الذى يوفر نحو 2 مليار م3 من المياه سنويًا، وكذا مشروع معالجة مياه الصرف الزراعى بمنطقة الحمام بالساحل الشمالى، الذى يوفر نحو 1.1 مليار م3. من جهةٍ أخرى، وارتباطًا بقضية تحلية أو إعذاب مياه البحار، أشار د./ نور الدين إلى أن هدفها هو الحفاظ على حياة الأفراد وليس لإحداث تنمية، مضيفًا أن 57 % من ناتج هذه العملية عالميًا يذهب للاستخدام المنزلى، ولا يستفيد المجال الزراعى منه سوى بـ 1 % فقط، كما أن تكنولوجيا تحلية مياه البحر عالية التكلفة، حيث تبلغ تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه بعد تحليتها نحو 600 سنتًا أمريكيًا، وأن المتر الواحد يحتاج إلى طاقة كهربائية تتراوح من 2.5 إلى 8.5 كيلو وات/ساعة، وهو أمر مكلِّف إلى حدٍ ما للدولة المصرية.
- تطرَّق د./ نور الدين إلى قضية السد الإثيوبى، مشيرًا إلى أن تنفيذه جاء في وقتٍ يمكن وصفه بالسنوات العجاف، وهو ما ينطوي على جفافٍ مزدوج، بمعنى أن الأمطار لم تنزل بكاملها على إثيوبيا، وفق المعدلات المعروفة، يُضَاف إلى ذلك أن بناء السد ذاته يحسر المياه الجارية في النهر عن معدلاتها الطبيعية. وحاليًا تخطط إثيوبيا إضافة 32 مليار م3 إلى خزان السد خلال العامين القادمين، ومن الواضح أن إثيوبيا ستسعى فى تنفيذ هذا الملء بحسم كما فعلت في المرات السابقة، لاسيما بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة، والتى لا شك ستستغلها أديس أبابا كحجة للترويج بأن القاهرة هى التى رفضت استمرار المفاوضات، ومن ثمَّ تستند إلى ذلك لاستكمال ملء السد دون اتفاق قانونى ملزم. وأضاف د./ نور الدين أنه كان من المأمول أن يكون لكل جلسة من جلسات التفاوض مع إثيوبيا هدف محدد ومنفصل، وأن يكون التفاوض على المياه وليس السد.
- أشار د./ نور الدين إلى ضرورة إعادة النظر فى المحاصيل الزراعية التى يُجرَى زراعتها والتى تستهلك كميات كبيرة من المياه، وضرورة زيادة التمويل لمشروعات الأبحاث الزراعية، بما يساعد على إيجاد أنواع جديدة من المحاصيل الموفرة لاستهلاك المياه، مع تعظيم جودتها، وذلك بالتضافر مع توفبر خبراء على درجة عالية من الدراية والوعى فى البورصات العالمية التى يتم طرح السلع فيها، وكذا ضرورة حل أزمة السيولة الدولارية واضطرابات الدولار بأسرع وقت، لكونها تؤثر على خيارات المزارعين، فى ظل عدم الالتزام بالدورة الزراعية، هذا إلى جانب تعزيز الوعى بضرورة ترشيد المياه. وأضاف أنه لا يجب الاستعجال أبدًا للبدء بزراعة المحاصيل الاستراتيجية فى مشروعات الاستصلاح، إذ يمكن البدء على سبيل المثال بزراعة محصول مثل الشعير لامتصاص الملوحة من الأرض، تمهيدًا لزراعة محصول مثل القمح. بالمثل، لم يعد مهمًا التركيز على زراعة القطن طويل التيلة، حيث إن نمط اللباس حاليًا على مستوى العالم يعتمد على القطن قصير التيلة.
- فى سياق المناقشات، وردًا على تساؤل بشأن القرار الصادر مؤخرًا بإغلاق مصنع أبو قرقاص للسكر، أشار د./ نور الدين إلى أن هذا المصنع كان يربح وحده – حتى عام 2011 – ما يضاهى أرباح 40 شركة ومصنعًا آخرين تابعين للشركة القابضة للصناعات الغذائية، مضيفًا أن إغلاقه ينطوى على خسائر كبرى، ليس أقلها أن انخفاض معدل إنتاج السكر، وكذا الإيثانول والعس الأسود، والمولاس والجلسرين، والخشب الحُبيبى، كما أن عملية استخراج السكر من البنجر فى هذا المصنع لاحقًا تتطلب تغييرًا فى الآلات والمعدات اللازمة لعملية الاستخراج، وهو ما يفرض كذلك تكلفة عالية. ومع ذلك، أضاف د./ نور الدين أنه بالإمكان التوسع فى زراعة البنجر فى منطقة الدلتا، لاسيما وأن مناخها مناسب تمامًا لزراعته، مع تثبيت مساحة قصب السكر، خاصة فى الصعيد.
- كشفت المناقشات عن أهمية اللجوء إلى بدائل لتعزيز الأمن الغذائى المصرى، من قبيل استئجار الأراضى الزراعية فى الدول الأخرى واستثمارها، وزراعتها بالمحاصيل التى تحتاجها الدولة، فإسرائيل على سبيل المثال تستثمر فى 4 مليون فدانًا فى الخارج، وذلك فى نصف الكرة الشمالى والجنوبى، بحيث تكون لديها حاصلات زراعية طوال العام. كما أن مصر تستورد زيت النخيل من إجمالى وارداتها من الزيوت بنسبة 40 % تقريبًا، ومن ثمَّ يمكن زراعته فى أماكن استوائية لصالح مصر لتوفيره. هذا بالإضافة إلى إمكانية التوسع فى زراعة أشجار الزيتون فى منطقة الساحل الشمالى، وإعادة فرض نظام الدورة الزراعية والإشراف عليه وفق رؤية واعية، خاصة وأن هذا النظام يساعد على منع توطين الأمراض الزراعية فى الأرض، وكذا توزيع الدخل عبر تقسيم الزراعات، فضلاً عن الحفاظ على خصوبة التربة الزراعية. بجانب ذلك، يجب ان يكون الهدف الأساسى من العملية الزراعية هى زيادة الأمن الغذائى من كثيرٍ من الحاصلات الزراعية بشكل متوازن، وليس تحقيق الاكتفاء الذاتى فى محصول أو منتج ما.