نتطلع لمزيد من العمل مع مجلس الشئون الخارجية لخدمة مصالح الوطن
ديسمبر 24, 2019المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية 2019 “أمن الشرق الأوسط… الفرص والتحديات”
ديسمبر 25, 2019
على مدى يومَي 23 و24 ديسمبر 2019، عقد المجلس المصري للشئون الخارجية مؤتمره السنوي تحت شعار “أمن الشرق الأوسط.. الفرص والتحديات”، حضرته وشاركت في أعماله نخبة متميزة من الأكاديميين والسفراء والباحثين والمهتمين بقضايا المنطقة والعالم، وافتتح أعمال المؤتمر معالي السيد وزير الخارجية سامح شكري، بكلمة تناول فيها الأهداف الاستراتيجية في برنامج عمل الحكومة لحماية الأمن القومي وسياسة مصر الخارجية اتساقاً مع التكليف الرئاسي بالانتقال من مرحلة تثبيت الدولة إلى مرحلة جني الثمار، وذلك انطلاقاً من كون مصر قوة إقليمية تعمل لتحقيق المصالح المشتركة للإقليم أو القارة وتدافع عنها وفقاً لمبادئ القانون الدولي والأطر متعددة الأطراف، بما يعزز التعاون بين الدول في إطار من المساواة والاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة، والتمسك بدور الدولة الوطنية ومؤسساتها كضامن لتحقيق أهداف الإصلاح والتنمية وفق رؤية وإرادة الشعوب وليس تبعاً لأولويات ومصالح أطراف خارجية.
وإلى جانب جلستَيْه الافتتاحية والختامية، عقد المؤتمر أربع جلسات تناول كلٌ منها محوراً؛ ركَّز الأول منها على المحددات الداخلية لأمن الشرق الأوسط، وتناول الثاني الجوانب الاقتصادية والسياسية والقانونية لغاز شرق المتوسط، فيما ركَّز المحور الثالث على الرؤى الإقليمية لأمن الشرق الأوسط، وأخيراً، تناول المحور الرابع الرؤى الدولية لأمن المنطقة.
تناولت الجلسة الأولى المحددات الداخلية لأمن الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد كشفت أوراق ومداخلات المتحدثين عن حقيقة أن المحددات الداخلية للأمن في دول المنطقة، مثل التطور الديموجرافي ونوعية التعليم وتراجع معدلات التنمية البشرية والتنافسية، بما في ذلك البحث العلمي والتكنولوجي وتمكين المرأة والعمالة المنتجة وغيرها، هي كلها تحديات خطيرة للأمن القومي لهذه الدول، أكبر بكثير من التحديات الخارجية أو مصادر التهديد الخارجي. وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى أنه في الوقت الذي يتجه فيه معدل النمو السكاني إلى الانخفاض عالمياً وإقليمياً، يتجه المعدل إلى الزيادة في مصر بنسبة 56% في الفترة من 1990 – 2050 ، وكذا تركيا وإيران وإن كان بنسب أقل 15% و23% على الترتيب، وهي زيادة لم تقترن بارتفاع مماثل في مؤشرات التنافسية وجودة التعليم أو انخفاض في معدلات اللامساواة والبطالة، وبالتالي فقد تم التنويه إلى ضرورة الحذر من عدم تدارك تلك الأخطار مستقبلاً مع الزيادة السكانية والتي لامفر منها، فإذا ما أرادت مصر تحقيق ريادة إقليمية، فهذا الأمر لن يتحقق إلا بتحسين جودة التعليم التي سيكون لها مردود إيجابي في زيادة الإنتاجية، وكذا العمل على تمكين المرأة وهو ماسيؤدي لزيادة الناتج المحلي.
وفي هذا السياق، خلص النقاش إلى مدى التباين الشديد في هذه المؤشرات فيما بين دول المنطقة، ومن ثَمَّ مدى التنافس بين هؤلاء الفاعلين حول تحقيق مصالحهم المختلفة في المنطقة، وإذا عُدَّ التباين والتنافس مؤشراً إيجابياً في حد ذاته للتطوير، إلا أن عدم توافق دول المنطقة واختلاف توجهاتها واستراتيجياتها تحول دون تحقيق التطوير المتكامل والمتكافىء فيما بين دول الإقليم، وهو ما يشكل فى مجمله عائقاً أمام عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة.
وحول التطور العلمي والتكنولوجي وارتباط ذلك بأمن الشرق الأوسط، تم التأكيد على الارتباط الوثيق بين منظومة البحث العلمي ومنظومة التعليم، وهو الأمر الذي يمكن استخلاصه من كافة مؤشرات التطور في هذا المجال والذي تعده المراكز البحثية والجامعات على المستوى العالمي ، كما تم التنويه خلال الجلسة إلى أن كافة حكومات الدول المتقدمة تعمل على ربط نظام التعليم وبناء القدرات والبحث العلمي بالاحتياجات المجتمعية والتنموية مع ربط هذه المنظومات لتحقق متطلبات محددة كتخريج موارد بشرية ذات تخصصات فنية ومهنية معنية، أو إنشاء صناعات أساسية باستخدام الموارد المحلية والخدمات الداعمة للتنمية وتحقيق الربط بين التعليم العالي وقطاع الصناعة من خلال تفعيل الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في دعم وتحفيز الابتكار.
وقد أُشِيرَ في هذا السياق إلى أن التطور العلمي والتكنولوجي في إسرائيل يأخذ منحىً متطوراً للغاية، لاسيَّما وأنها تتلقى دعماً أمريكياً وغربياً غير محدود في هذا المجال وغيره من المجالات، فيما لا زالت باقي دول المنطقة تعاني من التخلف في هذا المجال الهام الذي من المقدر له أن يرسم ملامح السياسات الدولية في المستقبل القريب، وأنه رغم التنامي الديموجرافي العربي، إلا أنه لم يقابله تنامٍ مماثل في الأداء التكنولوجي والاقتصادي.
وخلص المؤتمر حول هذه النقطة إلى ضرورة الربط بين التعليم والبحث العلمي والاقتصاد باعتبار أن ذلك يمثل الرؤية التي تستند إليها التنمية الشاملة لأي دولة، فتحويل منظومة البحوث إلى منتجات اقتصادية يلزمه بناء رأس مال بشري مسؤول عن تحقيق إرادة التجديد والابتكار وضرورة العمل على إزالة الفجوة بين البحث العلمي والتطبيق وأن يتم العمل على تحقيق التنسيق الكامل بين مؤسسات البحث العلمي وقطاعات الدولة المختلفة بما يحقق الجهود ويدعم الأداء الاقتصادي والإنجاز لخطط التنمية المستدامة عبر بناء الشراكات الاستراتيجية بين مؤسسات البحث العلمي والأطراف ذات العلاقة، بالإضافة لتعزيز القيم الوطنية المشتركة بما يزيد من أواصر الانتماء والمواطنة لتصبح الجامعات المصرية مؤسسات طموحة رائدة في تقديم الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن صياغة الدول المتقدمة للسياسات والاستراتيجيات والخطط العلمية والتكنولوجيا الفاعلة يتم خلالها تسخير وتوجيه جميع الإمكانيات العلمية والمعرفية والتكنولوجية لتحقيق الأهداف والأولويات القومية للتنمية.
وتناول المحور الثالث المتعلق بالتطور الإقتصادي في دول المنطقة، العلاقة المتبادلة بين التطور الاقتصادي والاستقرار الأمني حيث يمثل كلاهما مطلباُ مسبقاً للآخر. وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى (12) مؤشراً للتطور الإقتصادي في دول المنطقة تتمثل في قدرة الدولة على زيادة إنتاجها من السلع والخدمات ( معدلات النمو في الناتج المحلي)، الأداء الاقتصادي للدولة (نصيب الفرد من الناتج المحلي ومن الدخل حسب القوة الشرائية)، استخدام القوة العاملة (معدل البطالة)، مؤشر التنمية البشرية، التغير في الأسعار (معدل التضخم)، قدرة الحكومة على تلبية احتياجاتها التمويلية ( نسبة رصيد الموازنة العامة للناتج)، وقدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية ( نسبة الدين العام إلى الناتج)، التزام الدولة تجاه غير المقيمين ( نسبة الدين الخارجي إلى الناتج)، قدرة الدولة على المنافسة في أسواق السلع والخدمات (نسبة الحساب الجاري إلى الناتج)، القدرة الحقيقية للدولة على الإنتاج ( الميزان التجاري بالمليار دولار أمريكي)، قوة ميزان المدفوعات ( الاحتياطيات الدولية)، والقدرة التنافسية للدولة (مؤشر التنافسية). وفي هذا الصدد، تم التأكيد على أنه بالرغم من المراكز المتقدمة لبعض دول المنطقة فيما يتعلق بمؤشر التنمية البشرية ومؤشر التنافسية العالمية، إلا أن المنطقة تعاني من معدل نمو متواضع ومتجه إلى الانخفاض في معظم الدول ومستوى معيشة متقلب ومنخفض خلال عام 2018 بالمقارنة بعام 2013، وتقلب معدلات البطالة واتجاهها للارتفاع عامي 2017 و2018، وعجز في موازناتها العامة عامي 2016 و2017، وارتفاع نسبة الدين العام للناتج المحلي في سبع دول بما يفوق نسبة 60% واتجاه نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي إلى الارتفاع بدرجة كبيرة عامي 2016 و2017 عدا الجزائر واليمن، وعجز مزمن في موازين التجارة عدا الدول النفطية.
كذلك تم إلقاء الضوء على القوة الاقتصادية للمنطقة مقارنة بالمناطق الاخرى في العالم خاصة وأن المنطقة تمتلك عناصر اقتصادية هامة تتمثل في: الموارد الطبيعية وحجم المخزون منها، الموارد البشرية التى تمتلكها، السياسات التى تتبعها لتحقيق أقصى درجة استغلال لكافة مواردها برشادة وكفاءة عالية. هذا فضلاً عن حتمية تكامل المنطقة لتحقيق الرفاهية المشتركة والاستقرار الأمني من خلال التنسيق والتعاون.
-
تناولت الجلسة الثانية الجوانب الاقتصادية والسياسية والقانونية لغاز شرق المتوسط، وكيف أن هذا الملف الشائك فرض نفسه بقوة على الساحة الشرق أوسطية مؤخراً، لاسيَّما في ظل الاستفزازات والمضايقات التركية مؤخراً بشأن أحقية دول المنطقة الأخرى في ممارسة حقوقها في التنقيب عن واستخراج الغاز في إطار ترسيم حدودها البحرية في منطقة شرق المتوسط. وفي هذا السياق، ألقى المتحدثون الضوء على مصر كإحدى الدول الهامة على خريطة الغاز والطاقة، ما يؤهلها إلى التحول إلى مركز إقليمى للطاقة، وذلك بموجب الإمكانات البترولية والاكتشافات الغازية الأخيرة، خاصة في منطقة شرق المتوسط، والتي نقلت البلاد من مستورد صافي إلى مستوى الكفاية الذاتية والبدء في التصدير.
وفي هذا السياق، تناول المحور المفاهيم والضوابط القانونية الحاكمة لاستغلال ثروات البحار والتداعيات السياسية والقانونية للتوقيع على مذكرة التفاهم بين نظام أردوغان وحكومة فايز السراج، رئيس المجلس الانتقالي في ليبيا والأسباب الموضوعية وراء بطلانها، بما في ذلك انتهاكها لأحكام قانون البحار على النحو الذي قننته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، كذلك تم تفنيد الإدعاءات والمزاعم التركية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر وقبرص. كما تم التأكيد على ضرورة قيام مصر بقيادة جهود للدول الأخرى الأعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط، الذي أُعلِنَ عن قيامه بالقاهرة في يناير 2019، لترسيخ تعاونها من أجل استغلال وتقاسم ثمار ثروات منطقة شرق المتوسط في مجال الطاقة على قاعدة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، بحيث يتحول المنتدى إلى منظمة دولية تحكمها قواعد قانونية دولية مُلزمة لأعضائها.
وفى سياقٍ متصل، طالب المشاركون بضرورة العمل على تنويع مصادر الطاقة في مصر وتحقيق التوازن بين استخدامها، فضلاً عن ترشيد استهلاكها وتعظيم كفاءتها، لاسيَّما وأن الاستثمار في مجال الطاقة في مصر يتسم بمناخ متميز وجاذب، في ظل التشريعات المستقرة التي أثبتت كفاءتها طوال السنوات السابقة.
-
وتناولت الجلسة الثالثة الرؤى الإقليمية لأمن منطقة الشرق الأوسط، حيث أشير إلى أنها منطقة غاية في الأهمية بما تتضمنه من مزايا استراتيجية مهمة. إذ بها أهم الممرات المائية الدولية في العالم، وتمتلك أكبر احتياطي بترول وغاز عالمياً، وفي هذا السياق تم التركيز على الدول الإقليمية غير العربية وتحديداً الرؤى الإسرائيلية والإيرانية والتركية لأمن المنطقة، وذلك استناداً للدور الكبير الذي تلعبه هذه القوى في مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، ما يُمثل تحدياً لأمن المنطقة واستقرارها وعاملاً رئيسياً في الفوضى التي تضر بها، وتم التأكيد على أن التصدع الذي أصاب النظام العربي هو ما أدى إلى تعاظم النفوذ الإقليمي لهذه الدول. واتفق المتحدثون على خطورة سياسات واستراتيجيات دول الجوار العربي على الاستقرار والأمن في المنطقة. وربط المتحدثون بين تدخلات هذه الدول ووكلائها من الفاعلين من غير الدول، لاسيَّما حزب الله والحوثيين بالنسبة لإيران، وحماس والإخوان بالنسبة لتركيا وقطر.وقد أوضح المشاركون أن أغلب الدول العربية في حالة سيولة وفوضى شديدة، جعلتها غير قادرة على التحكم في مقدراتها.
كما تطرقت الجلسة أيضاً إلى رؤى الدول العربية لأمن المنطقة، إذ أوضحت أن المخاطر التي تواجه المنطقة العربية جسيمة ومتعددة الأوجه ولايوجد توافق حول ماهية وأولويات هذه المخاطر، في الوقت الذي لا تجمع الأمة العربية شبكة أمان واحدة قادرة على مواجهتها، فالبعض لا تعنيه كثيراً وجود مثل هذه الشبكة ويظن أنه بمأمن من تلك المخاطر، غير مدرك أنه إن لم تصبه مباشرة فسوف يأتيه الضرر بصورة غير مباشرة. وأكد المشاركون ضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع المشتركة العربية والتي جُمِّدت منذ إقرارها عام 1950، كما أن جهود إقامة القوة العربية المشتركة والتي قادتها مصر عام 2015 لم تثمر عن ميلاد قوة مشتركة بسبب طلب بعض دول الجامعة المزيد من الوقت للدراسة.
وفيما يتعلق بالرؤية المصرية لأمن المنطقة، فتم تناولها عبر تحليل شقين، الأول: رؤية مصر لمصادر التهديد، والثاني: رؤية مصرية لآليات الحركة. فمصادر التهديد متمثلة في إسرائيل وحركة حماس وتدهور الأوضاع في ليبيا والتخوف الجنوبي من استمرار السياسة السابقة للرئيس السوداني السابق عمر البشير تجاه مصر والتي اتسمت بالضبابية، وأيضاً الموقف الاثيوبي فيما يتعلق بمشروع سد النهضة وتداعياته السلبية على مصر، إضافة للتخوف من الجنوب الشرقي متمثلاً في اليمن والتأثير على مضيق باب المندب وحركة الملاحة، إضافة لبؤر التوتر في شرق المتوسط. وتم الاستناد في هذا المحور إلى تحليل خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمم العربية الأخيرة وتأكيد القيادة المصرية على أن أحد أهم المخاطر التي تواجه الدولة المصرية يتمثل في تهديد كيان الدولة من قِبَل الجماعات الإرهابية، والتخوف الثاني هو المخاطر الناشئة عن سياسات دول المحيط الإقليمي للنظام العربي.
وفيما يتعلق بآليات الحركة المصرية الممكنة لمجابهة تلك التحديات، تم التأكيد على ضرورة أن يكون لمصر دور واضح في هذا الاتجاه، إلى جانب تثمين مبادىء السياسة الخارجية المصرية من حيث عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، والحفاظ على سيادتها الإقليمية، وعدم التحيز لطرفِ على حساب آخر بما يضر بالأمن القومي للدول الأخرى، وحل المشكلات بالوسائل السلمية، في إطار الأمم المتحدة، كما تم التأكيد على أهمية المضي قدماً في تفعيل وتنشيط الدور المصرى عربياً وأفريقياً، وارتباط هذا الدور بشدة بعملية التعافي الاقتصادي واستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي المصري. مع ضرورة التوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
كذلك تم التأكيد على اتخاذ مبادرات تسعى إلى لمّ شمل الدول العربية فى إطار جامعة الدول العربية، بجذب الأشقاء الأفارقة لدعم قضايا ورؤى ومواقف الدول العربية من القضايا المختلفة، لاسيَّما وأن هذا الدعم قد تراجع في الفترة الأخيرة. كما يجب أيضاً تفعيل دور الرباعية العربية وتوسيعها للخروج بجهودٍ بناءة تُسهِم في حل أزمات المنطقة التي تلتهب يوماً بعد يوم، والسعي إلى إعادة الاستقرار وتدعيم الأمن القومي العربي بقدر الإمكان. وفي هذا السياق، طُرِحَت فكرة صياغة استراتيجية عربية شاملة للأمن القومي العربي.
-
تناولت الجلسة الرابعة والأخيرة من جلسات المؤتمر، الرؤى الدولية لأمن المنطقة، من خلال التعرض للاستراتيجية الأمريكية لأمن الشرق الأوسط في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، وموقفها في الكثير من القضايا العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، والحديث عمَا إذا كان بالإمكان القول بأن هناك انسحاباً أمريكياً من المنطقة وتأثيراته على أمنها واستقرارها. وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى الثوابت والمتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الإدارة الحالية، والتأكيد على أهمية التواصل والتفاعل مع الجانب الأمريكي، بما في ذلك مراكز الفكر والبحث المماثلة من أجل شرح حقيقة المواقف المصرية من القضايا المختلفة.
كذلك تم تناول رؤية القوى الكبرى الأخرى لأمن المنطقة بالتركيز على كلٍ من الرؤيتين الصينية والروسية وتعاظم الدور الصيني في الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد، تم التأكيد على أهمية المضي قدماً في تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية وأوجه التعاون الأخرى بين مصر وكلاً من روسيا والصين، خاصة في ظل تشابه مبادئ السياسة الخارجية لكلٍ منهما مع السياسة الخارجية المصرية، من حيث عدم التدخل في الشئون الداخلية والتسوية السلمية للمنازعات الدولية واحترام كل طرف لقيم وتقاليد الآخر ونموذجه الخاص للتنمية…إلخ. وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، فقد تمت الإشارة إلى أنه رغم الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط بالنسبة للاتحاد، إلا أنه غير قادر على الانخراط بفاعلية من أجل تحقيق الاستقرار والأمن فيها، مركزاً جل جهوده على منع الهجرة غير الشرعية وتأمين حدود الاتحاد. وفي هذا السياق، تمت الإشارة إلى الانقسامات الداخلية في الاتحاد وتباين مواقف أعضائه حول قضايا عديدة ، منها كيفية التعامل مع روسيا، وخروج بريطانيا من الاتحاد، وانعكاسات كل ذلك على فعالية الدور الأوروبي في المنطقة. وقد انتقد المؤتمر الموقف شديد السلبية للاتحاد إزاء الممارسات الاستفزازية لتركيا في شرق المتوسط وانتهاكها لقواعد وأحكام القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ارتباطاً بمذكرة التفاهم التي وقعها نظام أردوغان مع فايز السراج.
وفي ختام الجلسة، تم التطرق للأجندة الدولية تجاه مكافحة الإرهاب في المنطقة لما له من تأثير خطير وكبير على أمن منطقة الشرق الأوسط، وتنمية دولها. وفي هذا السياق، أكد المؤتمر على الحاجة إلى تعزيز الجهد الجماعي من أجل مكافحة الإرهاب، خاصةً مع تنامي هذه الظاهرة وتفشيها بسبب المقاربة الانتقائية للدول الغربية في هذا الشأن بالاكتفاء بمواجهة داعش والقاعدة وترك الإخوان المسلمين طلقاء، وقيام بعض الدول بدعم الإسلام السياسي بدعوى حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان. كذلك تمت الإشارة إلى أن مسألة وضع تعريف محدد للإرهاب ماتزال محل جدل وأن بعض الدول الغربية ماتزال تروج للعديد من المصطلحات المضللة بهدف السعي إلى إضفاء الشرعية على بعضها، وأن المقاربة الغربية ماتزال تتسم بإزدواجية المعايير. وقد أدان المؤتمر استمرار بعض الدول من الإقليم في إيواء العناصر الإرهابية والسماح لها بالنفاذ إلى المنصات الإعلامية لنشر الفكر المتطرف والتحريض على الإرهاب، وهو مايشكل خرقاً فاضحاً للقرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة، وأن بعض الدول ماتزال تعلي المصالح السياسية على مكافحة الإرهاب، الأمر الذي تعكسه الأوضاع في كلٍ من سوريا وليبيا حيث تنشط المنظمات الإرهابية. وخلص المؤتمر في هذا الشأن إلى التأكيد على ضرورة تبني مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب تتجاوز الجوانب الأمنية لتشمل الأبعاد الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والتنموية.